رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتنياهو يحاول تغطية عنصريته وخطاياه تجاه فلسطينيي الداخل بخطاب إعلامي
مناقض لما سمعناه منه دائما، وكذلك في حملته الانتخابية للكنيست في الجولات السابقة،
من خلال محاولة الاستمالة، وتقديم جزرات عفنة لهم؛ للحد من تصويتهم بالانتخابات
المقبلة في بداية آذار.
نتنياهو الذي رفع شعار» العرب يريدون تدمير
دولة اليهود» كان يعمل لتحريض اليمين الإسرائيلي للتصويت بكثافة في انتخابات نيسان
الماضي، وهذا ما حصل، ولم يستشعر الفلسطينيون في الداخل الخطر الداهم تجاه وجودهم
وصمودهم على أرضهم، فتقاعسوا عن التوجه إلى صناديق الاقتراع، ولم تصل نسبة تصويتهم
حاجز الـ 4%، وطفت الخلافات الداخلية والانقسام السياسي فكانت النتيجة الحصول على
9 مقاعد فقط للكتلتين المتنافستين مقابل 12 مقعدا في انتخابات الكنيست قبل أربع
سنوات تقريبا.
وخلال انتخابات الإعادة، في أيلول الماضي،
وإثر ضغوط مكثفة من أجل الوحدة والتعلم من درس الفشل السابق، ووقف الصراعات
الداخلية، تمكّن فلسطينيو الداخل من الحصول على 13 مقعدا، وهو ما حطم أحلام
نتنياهو في تشكيل حكومة برئاسته، وممارسة ضغط على منافسه رئيس كتلة «أزرق أبيض»
بيني غانتس والحصول على مجموعة من الوعود، خاصة فيما يتعلق بموضوع المساواة.
من الأسباب الرئيسية لارتفاع نسبة تصويت
فلسطينيي الداخل تأكدهم من خطورة اليمين الإسرائيلي ليس باتجاه قضاياهم الحياتية
فقط، بل في وجودهم برمته، وأيضا للحد من التدهور السياسي، مع التسريبات الأولية
لـ»صفقة القرن» وتبعاتها عليهم، وعلى القضية الفلسطينية بشكل عام.
الإعادة الثانية لانتخابات الكنيست، في الثاني
من شهر آذار المقبل، أكثر من حاسمة وربما الأهم في تاريخ الفلسطينيين في الداخل
الذين عانوا من الإجراءات العنصرية ابتداء من الحكم العسكري في خمسينيات وستينيات
القرن الماضي، ومصادرة أكثر من 90% من أراضيهم لصالح الاستيطان وحتى اليوم، بعد
إعلان «صفقة القرن» التي تضمنت بنودا باقتلاعهم، والكشف عن مخطط إسرائيلي بموافقة أمريكية
في التخلص من أكثر من 300 ألف مواطن فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، ونقلهم
إلى إدارة السلطة الوطنية الفلسطينية، مع ملاحظة أن مخطط النقل يتعلق بالسكان وليس
بأراضيهم المصادرة بعد العام 1948.
«صفقة القرن» تتحدث عن التخلص من سكان قرى كفر
قرع وعرعرة وباقة الغربية وأم الفحم وقلنسوة والطيبة وكفر قاسم والطيرة وكفر برا
وجلجولية، واستثناء سكان قريتين هما جيت وزيمر لموقعهما الإستراتيجي حسب النظرة
الإسرائيلية.
بعد الكشف عن المخطط التهجيري بدأت عاصفة
الاستشعار بالخطورة تتحرك وإن كانت ببطء. فاليمين العنصري الإسرائيلي بقيادة نتنياهو
يجهد للتخلص من فلسطينيي الداخل لإعادة ما يطلق عليه التوازن الديموغرافي في
منطقتي المثلث والجليل، على الرغم من فشل كل الحكومات الإسرائيلية السابقة منذ
العام 1948 وحتى اليوم في تحقيق مثل هذا التوازن غير المبرر وغير الأخلاقي.
والمعلومات تشير إلى أن البنود المتعلقة
بمنطقة المثلث في «صفقة القرن» هي في الأساس رؤية لنتنياهو، وهو الذي طلب من كوشنر
وفريقه من عرابي الصفقة إدراج هذا التوجه العنصري نحو أهالي المثلث.
مع اقتراب الانتخابات الجديدة للكنيست، وجد
نتنياهو نفسه متورطا بمعاداة فلسطينيي الداخل، ما تسبب بردة فعل عكسية في
الانتخابات السابقة، وأصبح نتنياهو على يقين بأهمية الصوت العربي الذي سيكون حاسما،
ما جعله يتراجع تكتيكيا ولفظيا عن مواقفه السابقة، وإعلانه أن الحكومة الإسرائيلية
لم توافق على التبادل السكاني، ونافيا نقل سكان المثلث (حتى الآن)، ولكن دون نفي
فكرة النقل كما وردت في الصفقة التي يمكن تطبيقها لاحقا.
ثم بدأ نتنياهو يقدم جزراته العفنة إلى
الفلسطينيين في الداخل من خلال تغريداته حول موسم الحج، داعيا إلى رحلات مباشرة من
مطار اللد إلى العربية السعودية، وتخفيض كلفة السفر إلى أقل من 50% من الكلفة الحالية،
بل أكثر من ذلك استخدم في إحدى تغريداته آية قرآنية وباللغة العربية، وبدا كبيت
الشعر الذي مطلعه «برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا».
الجزرات العفنة التي يقدمها نتنياهو لفلسطينيي
الداخل هي انقلاب زمني على الخطاب السياسي السابق؛ بعدما تبين له أن التحريض
العنصري ضد العرب جاء بنتيجة عكسية وكارثية بالنسبة له.
وعليه فإن الفلسطينيين في الداخل أمام مفصل
تاريخي: إما تفتتهم بعدم المشاركة في الانتخابات، أو زيادة قوتهم للحفاظ على
وجودهم وتصديهم لـ»صفقة القرن» ومنع نكبة ثالثة للشعب الفلسطيني.
المطلوب صحوة شاملة، خاصة من أهالي قرى المثلث
التي يجب أن تلقن العنصريين درسا من أجل مستقبل أطفالهم.
في الثاني من آذار، سيسجل التاريخ مواقف
فلسطينيي الداخل ليهبوا للوقوف سدا منيعا أمام سياسة التهجير والحفاظ على الوجود
والتصويت بنسبة لا تقل عن 85% وليس 60%. و في حال حصول القائمة الموحدة على ما يزيد
على 15 مقعدا في الكنيست -وهذا ممكن- سيذهب نتنياهو وعنصريته ليس للبيت ولكن للسجن.
(الأيام الفلسطينية)