مقابلات

سياسي مغربي: صفقة القرن لن تؤدي إلى استقرار الشرق الأوسط

محمد ضريف يتحدث إلى الزميل عادل الحامدي في مكتبه بمدينة الدار البيضاء (عربي21)

يعد الدكتور محمد ضريف من الدارسين الأوائل للحركات الإسلامية في المغرب، فقد خصص عددا من كتبه لدراسة تاريخ الجماعات الإسلامية لاسيما حركة الشبيبة الإسلامية وجماعة العدل والإحسان وحركة الإصلاح والتجديد التي تعتبر امتدادا لجمعية الجماعة الإسلامية. 

وقد قضى ضريف فترة مهمة من حياته الأكاديمية لتتبع السلوك السياسي للإسلاميين ودراسة مذهبياتهم الفكرية والسياسية، حتى صارت كتبه مرجعا لا يستغني عنه الباحثون، وذلك بسبب حرصه على جمع عدد هام من الوثائق عن الإسلاميين، والتي لم يكن من السهل الحصول عليها في سياق المضايقات الأمنية التي كانوا يتعرضون إليها. 

وفضلا عن ذلك، فقد كان ضريف يبحث النسق السياسي المغربي، ويستقرئ ثوابته ومتغيراته، والآليات التي يشتغل بها لتأطير الحياة السياسية، بل إنه كان من بين الأوائل الذين قاموا ببحث تاريخ الأحزاب السياسية في المغرب، محاولا استعراض مكوناتها ومساراتها وسياقات التوتر التي طبعت علاقات القوى الديمقراطية بالسلطة.

ومع التميز الذي طبع بحوثه، فقد قرر الدكتور محمد ضريف أن يجرب الانتقال من الفعل الأكاديمي إلى الفعل السياسي، من خلال تأسيس حزب جديد، ارتأى أنه بالإمكان أن يملأ الفراغ السياسي، ويقدم عرضا يستقطب النخب التي يئست من الأحزاب ألإدارية، وأحبطت من تجارب القوى الديمقراطية، فأسس حزب "الديمقراطيون الجدد" سنة 2014، لكنه لم ينجح في تحقيق أهدفه في الانغراس في المجتمع، ودخل في تصدعات تنظيمية صراعات داخلية أضعفت فعاليته وقدرته على تحقيق أهدافه، فلم يحز على أي مقعد في البرلمان في انتخابات السابع من تشرين أول (أكتوبر) 2016. 

لكن مع ذلك، استمر ضريف وحزبه في الفعل السياسي، والمنافسة ليس من موقع الانتشار الشعبي فحسب، وإنما من موقع الطرح السياسي والفكري.

"عربي21" التقت الدكتور محمد ضريف في مكتبه بمدينة "الدار البيضاء"، وكان له معها هذا الحوار:

س ـ لنبدأ من الشأن العربي من الزاوية المغربية، ما هو تعليقك على صفقة القرن وعلى الموقف المغربي منها؟


 ـ الملاحظ تاريخيا أن المغرب كان مساندا للقضية الفلسطينية وكان يدافع باستمرار عن حق الشعب الفلسطيني في استرداد جميع حقوقه. ولا ننسى أن ملك المغرب كان يعتبر منذ السبعينات رئيسا للجنة القدس. طبعا هناك تحولات ربما ساهمت فيها إلى حد كبير اتفاقية أوسلو، التي جعلت حتى الفلسطينيين أحيانا عندما يختلفون مع بعض الأنظمة العربية يطالبونها بعدم التدخل في شؤونهم. دائما كانت القضية الفلسطينية ذات أولوية، كقضية عربية وإسلامية ثم إنسانية.

اتفاقية أوسلو أدخلت بعض التعديلات في مواقف بعض الدول العربية، وبدأ الشرخ عندما تم تنزيل بعض مقتضيات أوسلو، خصوصا ما يتعلق بإجراء انتخابات. هنا بدأ الانقسام وأصبحنا لا نتعاطى مع الفلسطينيين باعتبارهم مطالبين بالاستقلال، ولكن نتعامل مع الفلسطينيين كأنهم مجموعة من الكيانات السياسية التي تتصارع حول السلطة.

والأكيد أن إسرائيل لم تلتزم عمليا باتفاقية أوسلو وكان الرد المنطقي أن سلطة الحكم الذاتي في رام الله أن تكون في مستوى رد الفعل، عندما لا تلتزم إسرائيل باتفاقية أوسلو ينبغي أن لا نذهب معها بعيدا، وتنزيل الشق الأمني فقط، هذا عمّق الانقسام، والأكيد أنه ومع قيادة جديدة في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر صهيونية من الصهاينة مع تحولات عميقة في أنظمة الحكم في دول الخليج التي تسير في اتجاه التطبيع مع الكيان الصهيوني، طبعا يمكننا الحديث عن الانتقال من تطبيع مضمر أو مستتر إلى مرحلة التطبيع المعلن.

س ـ عفوا دكتور ضريف.. في المغرب كيف تقرأ بلاغ وزارة الخارجية من صفقة القرن؟


 ـ الموقف المغربي الرسمي من صفقة القرن جاء في بلاغ صادر عن وزارة الخارجية، ما يلاحظ أولا هو وجود تشابه في صياغة هذا البيان ببيانات أخرى صادرة عن دول خليجية أو عربية. الآن يقال بأن الإدارة الأمريكية هي التي طلبت أو مارست ضغوطا على الدول العربية بما فيها المغرب لإصدار بيانات تتضمن أساسا التنويه بالجهود التي بذلها ترامب من أجل إحلال السلام، وفي نفس الوقت تشجيع المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل، علما أنه مع تنزيل هذه الخطة لم يعد هناك مجال للمفاوضات، إذ على ماذا ستتفاوض القيادة الفلسطينية مع إسرائيل؟ لذلك أعتقد أن رد فعل رئيس السطة الفلسطينية على الصفقة، إن التزم به ونفذه سيكون هو الرد المناسب على هذه الخطوة والتخلص نهائيا من تبعات اتفاقية أوسلو.

س ـ على المستوى الشعبي والحزبي، كان المغرب عادة ما يعبر عن مواقف رافضة وداعمة للشعب الفلسطيني، لكن رد الفعل هذه المرة ربما تأخر بعض الشيء، هل هذا مؤشر على تراجع أهمية فلسطين لدى الشعوب العربية؟


 ـ لا، هناك شعور لدى المغاربة أن القضية الفلسطينية قضية وطنية، المغاربة كانوا دائما يتعاملون مع القضية الفلسطينية بهذه الصفة، كانت هناك وقفة أمام القنصلية الأمريكية في الدار البيضاء، وهناك بعض الأحزاب أصدرت مواقفة رافضة، وكان حزب الديمقراطيين الجدد أول حزب أصدر موقفا رافضا للصفقة، وناشد المجتمع الدولي التدخل لضمان حقوق الشعب الفلسطيني كاملة، في مواجهة صفقة القرن التي لن تؤدي إلى استقرار الشرق الأوسط، وهناك بيان لحزب العدالة والتنمية، وهناك تصريحات صادرة عن حزب الاستقلال.

 

الهيئات التي كانت تدافع عن فلسطين ربما فقدت جزءا من مصداقيتها عندما وقفت إلى جانب النظام السوري


مساندة الشعب الفلسطيني يعتبرها كل مغربي واجبا وطنيا وقوميا.. لكن هناك بعض الهيئات الوطنية التي تدعو دائما للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وجدت نفسها في الزاوية، لأنها ذهبت بعيدا في مساندة النظام السوري ولم تكن واضحة في اتخاذ مواقف خلال ما جرى من مجازر في سوريا، هذا الموقف المساند للنظام السوري أضعف شعبية هذه الهيئات التي تساند وتدافع عن القضية الفلسطينية، لذلك هناك تأثيرات لما جرى في المنطقة العربية، خصوصا في سوريا.

س ـ يبدو أن موقفكم في حزب الديمقراطيين الجدد يختلف عن موقف بعض قوى اليسار العربي التقليدي التي أعطت تأييدا مفتوحا للنظام السوري حتى دون انتقاد للاستبداد ولبعض المجازر..


 ـ بكل تأكيد لا يمكن للإنسان أن يدافع عن الثورة الليبية ضد القذافي وعن الثورة المصرية ضد مبارك أو حتى ما جرى في اليمن ضد نظام عبد الله صالح، بينما نساند نظاما استبداديا في سوريا، وكان يستمد شرعيته فقط من كونه حاضنة للتيار القومي، هذا التيار القومي في المغرب لم يكن في المستوى المطلوب، لذلك لا يمكن أن نعتبر من خرجوا في مصر أو ليبيا أو تونس ثوارا ونساندهم ضد الأنظمة التي تقمعهم، ولكن عندما يتعلق الأمر بسوريا، نعتبر هؤلاء مجموعة من الإرهابيين.. 

هذا موقف مبدئي لنا، لأننا نعرف حقيقة الأنظمة العربية، عندما يثور الشارع تقمعه ونتهمه بأنه ممول من الخارج، علما بأن كل التحولات التي حدثت في العالم، لم تكن تحولات داخلية صرفة، ربما فشل ما وقع في سوريا ناتج عن سوء تقدير بالنسبة للدول التي تدخلت، لأنها أساءت لهؤلاء الذين خرجوا للاحتجاج أكثر مما ساعدتهم.

 

الإمارات والسعودية ومصر، هذا الثالوث انغمس مؤيدا لخطة ترامب


نحن في حزب الديمقراطيين الجدد استقبلنا بعض رموز المعارضة السورية، زارنا ميشيل كيلو وأحمد رمضان ومجموعة من النشطاء السوريين، ومازلنا نعتقد أن النظام السوري الحالي ليس نظاما شرعيا، هذا موقف مبدئي، ولا ينبغي أن نكيل بمكيالين.

 لكن مع ذلك فإن هذا أثر سلبا، وهذا ما يبرر ملاحظتكم، كأننا نشعر في المغرب كأن الموقف من صفقة القرن لم يكن قويا، أنا أقول بأن الهيئات التي كانت تدافع عن فلسطين ربما فقدت جزءا من مصداقيتها عندما وقفت إلى جانب النظام السوري.

س ـ حديثك عن تشابه رد الفعل العربي من صفقة القرن، لا يلغي وجود بعض الفوارق في نوعية الخطاب الصادر عن عدد من وزارات الخارجية في العالم العربي، ربما يمكن الإشارة هنا إلى الموقفين القطري والكويتي، هل لهذا أي علاقات بالفرز القديم دول المقاومة ودول الاعتدال؟


 ـ هناك فرز يجري الآن في المنطقة، لكن السؤال هو: هل هذا فرز حقيقي سيفضي في المستقبل إلى ظهور كيانات أكثر ديمقراطية وأكثر دفاعا عن المصالح القومية بشكل عام؟ 

نلاحظ أولا وجود تراجع للحس القومي في المنطقة العربية، كأننا نكرس النزعة القطرية، الآن كل دولة تفكر في مصالحها بصرف النظر عما يجري في الدول الأخرى.. الآن ظاهريا هناك فرز، كأن مجموعة من الدول العربية المتحالفة إلى حد ما مع تركيا وإيران، مثلا قطر لها علاقات جيدة مع تركيا ومع إيران، في حين أن هناك مجموعة معادية لإيران ومعادية لتركيا، عندما نتحدث عن الإمارات والسعودية ومصر، هذا الثالوث انغمس مؤيدا لخطة ترامب، في حين أن بعض الدول التي أصدرت بيانات تدعم شرعية المقاومة في فلسطين، مثل قطر والكويت، التي تحاول أن تنأى بنفسها عن تحالف السعودية والإمارات ومصر، أما قطر فهي تواجه حصارا مفروضا عليها من ذات الثالوث.

 

المغرب أدرك أنه ليس من مصلحته أن يساير ما يجري في منطقة الخليج


هل الخلاف في البيانات المؤيدة لخطة ترامب ولو بتحفظ، أو مساند للمقاومة، هذا لا يعني وجود خلاف على مستوى الرؤى؟ أنا أعتقد أن حسابات ظرفية هي التي تجعل كل دولة تتخذ موقفا يخدم مصالحها. لا أحد يمكنه أن يقول إن قطر أو الكويت يمكنهما أن يكونا ضد الولايات المتحدة الأمريكية، لذلك فبعض المواقف التي يعبّر عنها هدفها مرتبط بسياسات الدولة صاحبة الموقف.

س ـ المغرب.. أين يقف ضمن هذا التصنيف؟


 ـ المغرب من حيث المبدأ يساند الشعب الفلسطيني، نحن لا نتحدث عن موقف يؤيد أو يدعو إلى ضرب المصالح الفلسطينية أو تصفية القضية الفلسطينية، ولكن المغرب له سياسة براغماتية، وله تحالف تاريخي واستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية، هذا معطى ينبغي أن نستحضره، ثم المغرب أدرك أنه ليس من مصلحته أن يساير ما يجري في منطقة الخليج.. انسحب من التحالف العربي في اليمن، حاول أن يحافظ على علاقة متوازنة في الخلاف بين السعودية وقطر ولو أن المسؤولين في المغرب لا ينظرون بارتياح للسياسة المنتهجة أخيرا في السعودية، حيث تعتقد الرباط أن ولي العهد محمد بن سلمان الحاكم الفعلي في السعودية يتصرف كأنه قوة عظمى، وبالتالي ينبغي أن يستتبع الدول العربية وأن تخضع لتوجهاته، ولكن المغرب لن ينسى أن السعودية قادت حملة ضد استضافة كأس العالم، الشارع لن ينسى هذه المسألة رغم أنها رمزية.. لذلك فإنه في اللحظة التي توجد علاقة استراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة هذه العلاقة موجودة كذلك بين المغرب وبين الولايات المتحدة.

وأنا أعتقد أن هناك العديد من الأخطاء تم ارتكابها من طرف المسؤولين الجدد في السعودية ستؤثر على وضعهم في المستقبل، وعلى علاقتهم مع أمريكا تحديدا.

س ـ ماذا تقصد بالأخطاء المرتكبة من طرف المسؤولين السعوديين؟ هل يمكن أن تشرح أكثر؟


 ـ ما يجري من انتهاك صارخ لحقوق الإنسان في السعودية، الآن هناك على الأقل ملفان: مازالت قضية خاشقجي تثير الجدل، وهناك التجسس على هاتف بيزوس، وهناك تخوف من أن ابن سلمان ربما كان يتجسس على جميع المسؤولين الأمريكيين بالنظر إلى العلاقة التي تربطهم به. 

هذه أخطاء كما قلت، تقدم صورة سيئة عن السعودية. عندما نراجع التقارير التي تصدر عن المنظمات الحقوقية هناك صورة سيئة، وهي صورة تساهم فيها جميع الأطراف.

س ـ هناك من يتحدث عن أن الموقف المغربي من دول الخليج مرهون لعلاقاته الاقتصادية مع هذه الدول، هل هذا صحيح؟


 ـ لا، هذا غير صحيح، أولا المساعدات التي تقدمها دول الخليج إلى المغرب تراجعت بشكل كبير، ثم إن المغرب اتخذ من المبادرات لإبلاغ رسالة لمن يهم الأمر بأن المغرب لا يمكن أن يساير الخليج.. الانسحاب من التحالف العربي موقف كبير يجب أن يتم استيعابها.. لذلك فالمغرب كان دائما يراهن على المساعدات الأوروبية والمساعدات الأمريكية.. حتى قبل أن تظهر دول الخليج.. 

أكثر من ذلك، المغرب الآن أصبح يدرك أنه ليس من مصلحته أن يراهن على دول الخليج، لا تنسى ما سمّي بنادي الملكيات الكبرى التي كانت بصدد التأسيس، وتم التسويق لدعوة انضمام المغرب والأردن، ولكن بعد ذلك تراجع الخليج عن ذلك بتعلة أن الأردن لا ينتمي جغرافيا إلى الخليج، والمغرب لا ينتمي جغرافيا أيضا للخليج، وتم تعويض مطلب الانضمام بمطلب الشراكة، أي يمكن اعتبار الأردن والمغرب شريكين لدول الخليج.. 

 

المسؤولون في المغرب لا ينظرون بارتياح للسياسة المنتهجة أخيرا في السعودية


المغرب كان يستحضر هذا، لذلك ومنذ البداية مع ما عرفته المنطقة من أزمات والتأثيرات السلبية على اقتصاديات تلك الدول، مثلا المملكة العربية السعودية، الدعم تقلص، إضافة إلى ظهور خلافات حقيقية بين المغرب ودول الخليج، لأن المغرب لم يكن مستعدا لا للتضحية بمصالحه في الإمارات أو في السعودية، ولكن في نفس الوقت هو غير مستعد للتضحية يمصالحه في علاقته مع قطر. 

عام 2017 صدر تقرير عن صندوق النقد الدولي يحمل عنوان: "الوضع الماكرواقتصادي في المغرب"، وتحدث عن أن من أسباب الأزمة الاقتصادية في لمغرب هو التبعية للاتحاد الأوروبي، وأن التطور البطيء للاقتصاد الأوروبي سيؤثر سلبا على الاقتصاد المغربي، وأوصى بضرورة الانفتاح على إفريقيا.

 

هناك العديد من الأخطاء تم ارتكابها من طرف المسؤولين الجدد في السعودية ستؤثر على وضعهم في المستقبل


المغرب الآن يراهن على إفريقيا، لذلك قوى استثماراته في إفريقيا، وأعتقد أن شراكة المغرب مع فرنسا هي أقوى بكثير من شراكته مع دول الخليج. أو بتعبير أكثر دقة أن اعتماد المغرب على فرنسا أكثر من اعتماده على الخليج، خصوصا أن الدولة المغربية تدرك أن المنطقة غير مستقرة، وأن بإمكان إيران أن تهزها في أي لحظة.

س ـ طالما أنك ذكرت إيران، بوضوح هل إيران تقف في صف الأعداء للعالم العربي، وأنها ربما تشبه إسرائيل في ذلك؟


 ـ لا أعتقد ذلك، لأن إيران تاريخيا هي جزء من المنظومة الإسلامية، الإيرانيون مسلمون، لديهم خياراتهم الواضحة.. ولا ننسى أن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران تأسس على أنقاض نظام استبدادي، ولا ننسى أن النظام الغربي هو الذي أوصل رجال الدين الإيرانيين إلى السلطة عام 1979، حيث نعرف جميعا أن آية الله الخميني عاد إلى طهران من باريس.. هذا الدعم الغربي لرجال الدين في إيران كان يومها جزءا من تصفية حسابات الغرب مع ما كان يسمى يوما بـ "الاتحاد السوفييتي"، لأن الأمريكيين كانوا يعتنقون في تلك الفترة عقيدة اسمها "استراتيجية الحزام الأخضر"، لنضعف الاتحاد السوفييتي علينا أن نحيطه بمجموعة من الدول الإسلامية، أفغانستان إيران. وهنا يأتي تشجيع الثورة الإيرانية. وكان رد فعل الاتحاد السوفييتي غزوه لأفغانستان.

لذلك هذا النظام الإيراني ليس نظاما ضد العرب، لأن هناك الكثير مما كان ينشر عن الحضور الغربي في إيران، سواء كان أوروبيا أو أمريكيا. 

 

النظام الإيراني ليس نظاما ضد العرب ومصلحة الولايات المتحدة أن يظل النظام الإيراني قائما


طبعا نحن نعرف أن نحو 90% من الشعب الإيراني هم من الشيعة، ولكن هذا لا يطرح إشكالا، لأن 75%  من الشعب العراقي هم شيعة، ونسبة مقدرة من سكان البحرين هم من الشيعة، لذلك لا أعتقد لأنهم شيعة ينبغي أن نعتبرهم أعداء للدول العربية.

الإشكال الكبير هو أن الدول العربة غير مطمئنة للنظام الإيراني، رغم أن إيران تدعو الدول العربية لتقوية العلاقلات وفتح حوار معها، لكن الدول العربية ترفض ذلك.. الدول العربية ترفض. هنا ينبغي أن نستحض المتغيرات الجديدة، وهي متغيرات مرتبطة بالاعتداءات التي طالت الولايات المتحدة الأمريكية في أيلول (سبتمبر) 2001، فمنذ ذلك التاريخ أدركت الإدارة الأمريكية أنه من الضروري القطع مع الإسلام المتطرف، وأن نبحث عن بدائل له.. وهنا بدأ الحديث عن إسلام ديمقراطي تشجعه الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك تقارير تفيد أن الوهابية توصل إلى التطرف أو الإسلام الراديكالي.. 

فكان هناك خياران: إما أن تعمل الإدارة الأمريكية على إسقاط النظام السعودي ولكن تخشى من كلفة هذا الإسقاط، أو أن تحدث تحولا من داخل الأسرة الحاكمة، وهذا ما وقع عمليا، لأن تعيين محمد بن سلمان هو خروج عن القواعد المتبعة في وراثة العرش في المملكة السعودية، وفُرض على الإدارة الجديدة في السعودية أن تتبرأ من ماضيها، أن تتبرأ من الأيديولوجيا الوهابية، وهذا ما شدد عليه محمد بن سلمان أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة..

هذا التحول السريع الذي يحدث في السعودية ينبغي أن يُبحث له عن أساس شرعي، وفي نفس الوقت السلطة الجديدة تدرك أهمية الولايات المتحدة، ولكن تدرك كذلك أهمية إسرائيل، لأننا أحيانا نخطئ عندما نتعامل مع إسرائيل كما لو أنها كيان مستقل عن الولايات المتحدة.. دائما كنا نقول إن إسرائيل هي قاعدة عسكرية غربية متقدمة موجودة في العالم العربي.. 

والآن هنالك تحولات داخل المملكة العربية السعودية، وبالتالي علينا أن نحول الأنظار، لأن لدينا درسا نعلمه لطلبتنا في العلوم السياسية عندما ندرس وظائف الأيديولوجيا السياسية، من ضمن وظائف الأيديولوجيا السياسية وظيفة خلق عدو سواء كان عدوا حقيقيا أو وهميا، قد تكون إيران عدوا حقيقيا للسعودية لا كشعب وكدولة ربما كنظام قائم له خيارات، وقد لا تكون، ولكن الآن عندما نراهن على إسرائيل نحن في الواقع نحاول أن نرضي الولايات المتحدة الأمريكية، لأن اللوبي الصهيوني مؤثر جدل في الولايات المتحدة، لذلك فإن هذه الأنظمة لن تجد الآن ما تخاف منه، لأنها تعتقد أن أي تحرك داخلي لن نجح، وأمامها تجربة الربيع العربي التي لم تكن مدعومة من الخارج، لذلك ما حدث أننا لم نسقط أنظمة وإنما أسقطنا عائلات، وظل الوضع هو الوضع..

س ـ هل هذا يعني عمليا أن استعداء إيران هو خدمة لمصالح الولايات المتحدة، وأن الدول العربية التي تقوم بذلك هي دول وظيفية؟


 ـ طبعا لا يمكن أن نفصل بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، هذه نقطة أولى، والذين يحاربون باسم إسرائيل هم في الأصل جنود أمريكيون.. في جميع الحروب كانت الطائرات الأمريكية هي التي تقصف، ويتم الترويج إلى أنها طائرات إسرائيلية.. هناك علاقة عضوية بين إسرائيل والولايات المتحدة، هذه حقيقة، لذلك فإن الأنظمة التي تهلل للتطبيع مع إسرائيل تدرك هذه الحقيقة.

ثانيا، الآن باسم محاربة الإرهاب ستتم تصفية الجميع، لاحظ أن إسرائيل كانت تصف المقاومة بالإرهاب في البداية، وكنا نحتج ونطالب بالتمييز بين الإرهابيين والمقاومة، الآن الدول العربية عندما يعارضها أيا كان تصفه بـ "الإرهابي"، هذا ما وقع في سوريا مثلا. 

أيضا، هناك الآن تضييق على حقوق الإنسان في العالم العربي.. أنا أعتقد أن من مصلحة الولايات المتحدة أن يظل النظام الإيراني قائما، لأن أفضل وسيلة لإضعاف العالم العربي وتقسيم الدول العربية هو الاستعمالل السيء لثنائية "شيعة ـ سنّة"، الآن باسم إيران الشيعية نقول بأن إيران تحتل أربعة عواصم عربية، طبعا إيران دولة قوية ولكنها ليست بمستوى أمريكا والدول الأوروبية.. ولكن الحرب لم تعد كلاسيكية، فمقاومة غزة استطاعات أن تواجه الاحتلال بوسائل بسيطة.. ولكن المؤسف أن الولايات المتحدة لها خطط تسعى لتنزيلها في المنطقة العربية وتتصدى لها الدول العربية. الآن السعودية تعادي الحوثيين، على الرغم من أنها هي التي أوصلتهم إلى صنعاء..

س ـ بمعنى أن العداء العربي لإيران ليس مبررا، هل هذا ما تريد أن تقوله؟


 ـ العداء العربي لإيران غير مبرر، وهو عداء معلن إرضاء للولايات المتحدة الأمريكية وحتى إسرائيل، بينما تتمتع كثير من الدول العربية بعلاقات متينة مع إيران، بل هناك تنسيق أمني مثلا بين إيران والإمارات وهناك تنسيق أمني بين إيران والسعودية في موسم الحج، بمعنى أن هذه المواقف ليست نهائية هناك محاولة لإرضاء الولايات المتحدة، وإدراكا من هذه الدول أن إسرائيل جزء من الولايات المتحدة ينبغي أن يتم التعامل معها تحت الضغط.. وهناك اعتقاد بأن كل الظروف مهيأة لتصفية القضية الفلسطينية..