نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لمراسله في رام الله، يقول فيه إن بيان رئيس السلطة
الفلسطينية محمود
عباس يوم السبت كان واضحا جدا، ففي مواجهة الضم
الإسرائيلي الوشيك في "
صفقة القرن" الأمريكية المذلة، فإن السلطة الفلسطينية تقوم بقطع العلاقات الأمنية بين الطرفين.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أنه مع ذلك فإن التنسيق الأمني استمر في اليوم التالي كالعادة، حيث استمرت مكاتب الاتصال بالعمل وكأن شيئا لم يكن.
ويلفت الموقع إلى أن خطة
ترامب المقترحة لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والمؤلفة من 180 صفحة، التي قامت بتلبية الرغبات الإسرائيلية، بضم مساحات واسعة من الضفة الغربية، وقوضت إمكانية قيام دولة فلسطينية، أفزعت القيادة الفلسطينية، بالإضافة إلى أنها فتحت الباب أمام ضم وادي الأردن والمستوطنات غير الشرعية، وهو ما يشكل أكثر من ثلث الضفة الغربية، وتركت السلطة الوطنية لمواجهة ذلك التهديد.
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من كلمات عباس القوية في اجتماع الجامعة العربية في القاهرة قبل يومين، فإن قطع العلاقات مباشرة لم يكن أبدا جزءا من تفكير عباس، بحسب مسؤولين كبار في الحكومة الفلسطينية.
وينقل الموقع عن مصدر، قوله إن الإعلان كان مجرد "تلميح" بأنه قد يستخدم "هذه الورقة المهمة" للضغط على أمريكا وإسرائيل، وأضاف: "عباس يستخدم أوراقه كلها لمواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي وتداعياته، خاصة ورقة التعاون الأمني".
ويفيد التقرير بأنه بالنسبة لإسرائيل، فإن استخدام السلطة الفلسطينية لجمع المعلومات الاستخباراتية وحفظ الأمن في الضفة الغربية مفيد جدا، ويساعد على التقليل من الهجمات على قواتها ومواطنيها، مشيرا إلى أنه بالنسبة للسلطة التي تهيمن عليها حركة فتح، فإن المعلومات التي توفرها لها إسرائيل تستخدمها للحفاظ على سيطرتها ولتقويض منافستها حركة حماس، بالإضافة إلى أن واشنطن تستفيد من هذا الترتيب، بحسب ما قاله مسؤول حكومي بارز.
ويورد الموقع نقلا عن هذا المسؤول، قوله: "السلطة الفلسطينية جزء من الحرب الغربية على الإرهاب، وأراد الرئيس عباس أن يذكر الأمريكيين والإسرائيليين بأن هذا الدور له ثمن سياسي، ودون هذا الثمن فإنه لا يمكن له الاستمرار".
وينوه التقرير إلى أن وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، حسين الشيخ، قام بالاجتماع بوزير المالية الإسرائيلي، موشي كحلون، وأخبره بقرار السلطة وقف التنسيق الأمني في حال قامت إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية، مباشرة بعد إعلان ترامب عن خطته الأسبوع الماضي.
ويشير الموقع إلى أنه من غير المعروف مدى الجدية التي تنظر فيها إسرائيل لمثل هذا التهديد، لافتا إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية أعلنت مرتين في السنوات الأخيرة عن نيتها قطع العلاقات مع إسرائيل: مرة في عام 2015 ومرة في عام 2017، لكن السلطة لم تنفذ التهديد في المرتين.
ويؤكد التقرير أن تنفيذ التهديد سيغير قواعد اللعبة، إلا أن خطوة استراتيجية كهذه يمكن أن يتم تنفيذها إذا تم تغيير القواعد التي تحكم العلاقات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل تماما، بحسب ما قاله مسؤول في حركة فتح لـ"ميدل ايست آي".
وينقل الموقع عن المسؤول قوله، مشترطا عدم ذكر اسمه: "إيقاف التنسيق الأمني قد يؤدي إلى صراع مسلح، وهذا قد يؤدي إلى انهيار السلطة".
ويلفت التقرير إلى أنه على المستوى الأساسي، فإن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل يؤثر على استقرار معيشة المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية.
ويورد الموقع نقلا عن مسؤول حركة فتح، قوله: "كيف يعمل التنسيق الأمني؟ عندما تقوم القوات الإسرائيلية بدخول إحدى مناطقنا، وهو ما يحصل كل ليلة تقريبا، يقوم الجانب الإسرائيلي بإخبارنا بوقت الدخول لنستطيع سحب رجال الشرطة التابعين لنا من الشوارع.. وإن توقفت هذه القناة، فإن الشرطة المسلحين قد يشتبكون مع القوات الإسرائيلية في أي ميدان أو أي شارع أو أي مدينة، وهو ما سيؤدي إلى انهيار في النظام الأمني".
وبحسب التقرير، فإنه حتى تحركات عباس مرهونة بالتنسيق الأمني، فيتحرك موكب الرئيس بين مكتبه في رام الله وسكنه حوالي أربع مرات في اليوم، حيث يتم استخدام حوالي 10 سيارات وعشرات الحراس المسلحين في تنقلات الرئيس البالغ من العمر 84 عاما، وقبل قيامه بأي رحلة فإن إسرائيل تكون على علم بذلك، لتجنب إحراج قيام دورية إسرائيلية بإيقافه، وإن كانت هناك عمليات إسرائيلية يتأخر عباس في الخروج لئلا يعلق داخلها.
ويقول الموقع إن فك التنسيق المدني فيه إشكالية للسلطة الفلسطينية أيضا، فالجانبان يتبادلان سجلات الولادة والوفيات، ويتعاونان في إصدار الهويات والجوازات الضرورية للتحرك في أنحاء الضفة الغربية والقدس والسفر للخارج، مشيرا إلى أن السلطة الفلسطينية تعتمد حاليا على المصادقة الإسرائيلية لكثير من سلطاتها الأساسية.
ويذكر التقرير أن السلطة الفلسطينية سعت قبل عدة سنوات لتكتب عبارة (دولة فلسطين) على جوازات سفرها، بدلا من (السلطة الفلسطينية)، لكن إسرائيل هددت بأن ترفض كل وثيقة تحمل هذا التغيير، فتراجعت السلطة بسرعة عن ذلك؛ خشية أن يمنع حاملو جوازاتها من المرور.
ويفيد الموقع بأنه عندما حاولت المنظمة سابقا تمزيق الاتفاقية الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل، التي تجعل الأراضي الفلسطينية جزءا من الاتحاد الجمركي الإسرائيلي، فإن السلطة لم تستطع تطبيق ذلك المطلب بسبب سيطرة إسرائيل الكاملة على حركة البضائع والأشخاص من خلال المعابر الحدودية.
وينوه التقرير إلى أن إسرائيل تقوم أيضا بجمع الجمارك على البضائع المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية وتحولها للسلطة في نهاية الشهر، مشيرا إلى أن التهديد بعدم دفع تلك الأموال يستخدم للضغط على السلطة للإذعان.
ويبين الموقع أن هناك شعبية كبيرة للمطلب بأن تسحب منظمة التحرير الفلسطينية اعترافها بإسرائيل، لكن المسؤولين المقربين من عباس يقولون بأنه لن يتم القيام بمثل هذا الفعل إلا أن كان ضروريا جدا؛ لأن ذلك سيعني نهاية السلطة الفلسطينية.
وينقل التقرير عن المسؤول الحكومي، قوله: "إن ضمت إسرائيل وادي الأردن والمستوطنات فلا نستطيع الاستمرار في الالتزام بالاتفاقيات الأمنية والمدنية والاقتصادية الموقعة مع إسرائيل"، وأضاف: "حتى لو كنا نريد أن نستمر في التنسيق، فإن شعبنا لن يقبل ذلك، ونحن ندخل فترة مختلفة، ولا أحد يستطيع التنبؤ كيف سيكون شكلها".
ويقول الموقع إن الظروف لم تكن مواتية بهذه الدرجة لإسرائيل لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية، فإدارة ترامب منحازة بشكل كبير لصالح اليمن الإسرائيلي وحركة الاستيطان، والأوروبيون متفرقون وغير متفاعلين، وكثير من الدول العربية إما أنها تغازل إسرائيل أو أنها في حالة فوضى.
ويشير التقرير إلى أنه استعدادا لما يبدو أنه ضم لا مفر منه لوادي الأردن والمستوطنات غير الشرعية، فإن السلطة تجهز نفسها لعدة تحركات، بما في ذلك مد يدها لحركة حماس، التي تحكم قطاع غزة، مستدركا بأن المراقبين ليسوا واثقين من أن تلك التحركات سيكون لها أثر، وهم متشككون من حصول انفراج في العلاقات بين حركتي فتح وحماس، بالرغم من الاتصالات بين عباس ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، ووعد الرئيس بأن يلتقيه في غزة.
ويرجح الموقع أن تفشل محاولات جذب الانتباه الدولي، فبعد تخلي المجتمع الدولي عنهم، والانقسام الداخلي، وكون إسرائيل تملك مفاتيح التحرك داخل الأراضي، فإن وقف التنسيق قد يكون مستحيلا.
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن عباس قام يوم الاثنين بإعادة تهديده، لكن هذه المرة فإن أي محاولة للتوقف عن التنسيق تعتمد على ضم الأراضي، قال عباس: "لن نتراجع عن مواقفنا حتى يعود الأمريكيون والإسرائيليون عن مشروعهم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)