ما أن اخترقت روسيا وتركيا الأزمة الليبية وانتزعت وقفا لإطلاق النار فشل الأوروبيون في تحقيقه زهاء تسعة أشهر، حتى نشطت الدبلوماسية الأوروبية وعاد الساسة الألمان لإحياء مبادرتهم فكان إعلان برلين الذي شدد على تنفيذ الهدنة والتمهيد لإطلاق الحوار السياسي في ما عُرِف بالمنتدى السياسي الليبي أو ملتقى جنيف الذي من المقرر أن يكون موعده خلال أسبوعين تقريبا.
أجندة غير واضحة
منتدى جنيف مقرر له أن يلتئم بأربعين عضوا ثلثهم انتخبهم المجلس الأعلى للدولة من بين أعضائه، والثلث الثاني ينبغي أن يمثلوا البرلمان، فيما يرجع إلى البعثة الأممية تحديد الثالث الأخير.
غير أنه لم يتحدد بعد وبشكل جازم أجندة المنتدى، فبيان برلين لم يخرج عن التأكيد على المبادئ العامة وهو رفض الحل العسكري والتأكيد على مدنية الدولة والإصرار على الهدنة والآلية التي اقترحتها روسيا وتركيا وهي لجنة 5+5 ومنع تدفق السلاح، بالإضافة إلى الانتخابات والحكومة الموحدة وتأسيس منظومة أمنية وطنية تحت سلطة مركزية مدنية والتوزيع العادل للثروة.
وعليه من المتوقع أن يكون ملف إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة مستقلة عنه محوري في منتدى جنيف، على أن يعهد للجنة الـ 5+5 معالجة توحيد المنظومة الأمنية والعسكرية.
لا يبدو أن جبهة الوفاق مستعدة بشكل كاف للتفاوض المتوازن والذي يحقق لها التسوية العادلة كونها الطرف المعتدى عليه والمغدور به. ولهذه اللحظة لم تعلن حكومة الوفاق أو المجلس الأعلى للدولة أو البرلمان في طرابلس عن رؤية أو مبادئ عامة تحدد الحد الأدنى من المطالب لأي تفاوض قادم.
بل لم تعلن أي من هذه الأجسام عن موقف حيال الثلث المتحكم فيه من قبل غسان سلامة والذي يمكن أن يميل بالتسوية إلى الجهة التي يريد، خاصة وأن تأثير الأطراف الداعمة لحفتر فعال ويمكن أن توظف صلاحيات المبعوث الأممي لصالح مقاربتها للحل السياسي.
والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: هل جبهة الوفاق ممثلة في المجلس الرئاسي والمجلس الأعلى للدولة، كونه طرفا مفاوضا، مستعد لإعادة تشكيل المجلس الرئاسي وتشكيل حكومة توافقية بين أطراف النزاع وذلك في ظل الظروف السياسية والامنية الراهنة.
وبشكل أكثر وضوح هل سيتحمل هؤلاء كلفة تغيير المجلس الرئاسي ليشمل بالتأكيد موالين لحفتر وقوات حفتر ما تزال على بعد 20 كم عن مركز العاصمة.
الحد الأدنى
من الطبيعي أن ينقسم المجلس في حال إعادة تشكيله على قضايا عدة، وسيكون من أولويات ممثل حفتر في الرئاسي تعطيل الاتفاق الامني والعسكري الذي وقعته حكومة الوفاق مع الحكومة التركية، فهل ناقش المجلس الأعلى وجبهة الوفاق خياراته في هذا الصدد، وما هي بدائله لاحتواء الضغوط الخارجية لتمرير تسوية توافقية لن تكون عادلة في هكذا ظرف سياسي، وقوات حفتر لا تزال تحاصر العاصمة.
من جهة أخرى، فإن التوافق ما يزال مفقود حتى على مستوى القوى والمكونات السياسية والاجتماعية الداعمة لحكومة الوفاق، وهناك ما يشير أن جهود تنسيقية الحوار السياسي التي أطلقها ساسة ونشطاء في شهر سبتمبر الماضي لم تتوصل إلى رؤية مشتركة للمرحلة السياسية القادمة والتفاوض الذي على الأبواب.
بلغني أن حزب العدالة والبناء، أهم المكونات السياسية المشاركة في الحوار، لا يعتبر مخرجات الحوار ملزمة بنسبة له، وهو موقف ما ينبغي أن يقع في ظرف سياسي وأمني قاهر مطلوب فيه بناء جبهة سياسية متماسكة ومتوافقة حول رؤية مشتركة تكون الإطار العام المنظم لحركة كل من شارك في بلورتها والسند للمجلس الرئاسي أمام الضغوط الدولية ولمجلس الأعلى للدولة ولأعضاء البرلمان المشاركين في المنتدى الليبي جنيف.
عليه، فإن أولى الاولويات هو أن يتوافق الجميع، رسميين وساسة ونشطاء، على الحد الأدنى من أجندة التفاوض والتي تمثل المطالب العادلة التي تبلورت ما بعد 4 أبريل الماضي، وأن يكون من ضمن خطتهم دراسة بدائل التعطي مع الضغوط الدولية بما في ذلك رفض المشاركة في منتدى جنيف.
هل يطمئن مؤتمرُ برلين تركيا أم يقلقها؟
مؤتمر برلين.. أولى المعارك السياسية بعد الحرب