نشر موقع "إنترسبت" مقالا للصحافي مرتضى حسين، يقول فيه إنه خلال الأربعة عقود منذ قيام الثورة الإيرانية في عام 1979، كان قليل من القادة الإيرانيين هم من حققوا شهرة عالمية كالتي حققها القائد العسكري الذي تم اغتياله في غارة جوية ليلة الخميس، اللواء قاسم سليماني.
ويشير حسين في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، برز سليماني بصفته أقوى خصم لأمريكا في العراق، ووصفه نظيره الأمريكي وقتها، الجنرال ديفيد بترايوس بأنه "شخص شرير فعلا"، في رسالة لروبرت غيتس، الذي كان وزيرا للدفاع وقتها، لافتا إلى أن سليماني اكتسب شهرته بصفته قائدا عسكريا يخشى جانبه، ويقود شبكة من المليشيات العقائدية الوكيلة في الشرق الأوسط.
ويستدرك الكاتب بأن الصورة الأكثر دقة لسليماني تظهر من أرشيف البرقيات السرية للمخابرات الإيرانية، التي حصل موقع "إنترسبت" عليها، مشيرا إلى أن هذه الوثائق صدرت عن ضباط في وزارة المخابرات والأمن الإيرانية، كانوا يعملون في العراق بين عامي 2013 و2015، عندما كانت الحرب الإيرانية ضد تنظيم الدولة في أوجها، وكان سليماني يدير العمليات.
ويقول حسين إن "تلك التقارير تكشف كيف كان ينظر إلى سليماني في بعض زوايا مؤسسة الاستخبارات الإيرانية، والصورة التي تظهر ليست دائما متطابقة مع الصورة التي تم تشكيلها ببراعة للجنرال والاستراتيجي الذي لا يقهر، وفي الوقت الذي كانت فيه الحرب بين إيران وتنظيم الدولة مشتعلة، فإن عددا من أفراد المخابرات الإيرانية أعربوا عن خشيتهم من أن التكتيكات الوحشية التي يفضلها سليماني ووكلاؤه في العراق تؤسس لردة فعل كبيرة ضد الوجود الإيراني في العراق، بالإضافة إلى أنه تم انتقاد سليماني بادعاء أنه كان يروج لنفسه خلال القتال، فصوره في جبهات مختلفة في العراق ساعدته على تكوين صورة القائد الرمز، لكن هذه الصورة المبالغ في حجمها أيضا بدأت تحوله إلى شخصية إرهابية بالنسبة لكثير من العراقيين العاديين".
ويفيد الكاتب بأن بعض تلك البرقيات سجلت ظهور سليماني في الجبهات واجتماعاته بكبار المسؤولين العراقيين، في الوقت الذي وصفت فيه برقيات أخرى أنشطته وأنشطة المليشيات الوكيلة، مشيرا إلى أنه كونه قائدا لفيلق القدس، القوات الخاصة التابعة للحرس الثوري الإيراني، فإن سليماني كان ينتمي لمؤسسة منافسة أقوى من وزارة المخابرات.
ويكشف حسين عن أن بعض الوثائق كان فيها انتقاد من ضباط المخابرات لسليماني لتنفيره المجتمعات السنية العربية، ومساعدته على خلق الظروف التي تبرر لتجديد الوجود الأمريكي في العراق.
ويورد الموقع نقلا عن وثيقة مخابرات إيرانية، تعود لعام 2014، قولها إن ظهور سليماني في دور القائد للمليشيات الشيعية العراقية ساعد على أن يحمل السنة العراقيون إيران المسؤولية عما تقوم به تلك المليشيات ضدهم، مشيرا إلى أن الوثيقة تناقش هجوما من القوات التي تدعمها إيران ضد مقاتلي تنظيم الدولة في المجتمع الزراعي السني في جرف الصخر.
ويلفت الكاتب إلى أن الهجوم تضمن عددا من المليشيات الشيعية، بينهم مجموعة سيئة السمعة تدعى عصائب أهل الحق، مشيرا إلى أن المليشيات نجحت في هزيمة تنظيم الدولة، لكن انتصارها تحول بسرعة إلى مذابح عامة للسكان المحليين، "محولة حلاوة الانتصار الإيراني إلى مرارة"، بحسب ما كتبه ضابط المخابرات.
وينقل حسين عن تقرير وزارة الاستخبارات، قوله: "من الضروري وضع حد للعنف الذي يمارس ضد السنة الأبرياء في العراق وما يقوم به سليماني، وإلا فإن العنف بين الشيعة والسنة سيستمر.. حاليا، ما يحصل مع السنة، بشكل مباشر أو غير مباشر، يبدو كأن إيران تقف خلفه حتى لو لم يكن لإيران أي دور فيه".
وينوه الكاتب إلى أن الوثيقة ذاتها تكهنت بأن ترويج سليماني لنفسه يهدف إلى بناء رصيد سياسي لنفسه في إيران، ربما للترشح مستقبلا للرئاسة، لكنها أيضا تضمنت إشارات إلى شخصية قائد فيلق القدس وكيف يرى نفسه، وأشارت الوثيقة كذلك إلى حب سليماني لرئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، الذي كان حليفا للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وكان يعد داود أوغلو القوة الفكرية وراء السياسة الخارجية لتركيا.
ويورد حسين نقلا عن التقرير السري، قوله: "لدى سليماني علاقة قديمة مع أحمد داود أوغلو وهو يقارن دوره في السياسة الخارجية الإيرانية بتلك التي يقوم بها شخص مثل داود أوغلو في السياسة التركية".
ويستدرك الكاتب بأن نظرة سليماني إلى نفسه تطورت مع الوقت، بحسب التقرير، ومع حلول عام 2014، وعندما كانت الحرب الإيرانية بالوكالة ضد تنظيم الدولة في أوجها، فإنه بدأ يرى نفسه بشكل أقل كونه منظرا سياسيا، وأكثر على أنه قائد عسكري ورئيس مخابرات يقارن برئيس جهاز المخابرات التركية القوي حقان فيدان.
ويشير حسين إلى أن "تقرير وزارة المخابرات لا يحتوي تفاصيل أخرى عن علاقات سليماني بالمسؤولين الإيرانيين، لكن التغير الواضح في تصوره لنفسه يتماشى مع التطورات في المنطقة، فبالأسلوب ذاته الذي يقوم به فيدان في توجيه حرب بالوكالة في سوريا كانت إيران تدعم جهودا مشابهة في العراق".
ويلفت الكاتب إلى أنه في أواخر عام 2014، بحسب الوثائق المسربة، فإنه كان هناك برنامج واسع النطاق لإرسال مقاتلي المليشيات الشيعية العراقية إلى إيران لتدريبهم عسكريا وأيديولوجيا ولتجهيزهم بالمعدات، وكان ذلك برنامجا أدى الحرس الثوري فيه دورا حاسما، مشيرا إلى أن تلك المليشيات الشيعية مضت لتقاتل تنظيم الدولة، لكنها متهمة أيضا بشن حرب طائفية عشوائية داخل العراق تقوض الحكومة المنتخبة في البلد.
ويكشف حسين عن أن وثائق المخابرات الإيرانية تحتوي على حقائق حول الطريقة التي تم فيها تنظيم حملة التدريب هذه، في الوقت الذي سلطت فيه الضوء على الأسباب الخاصة التي جعلت بعض العراقيين يسعون للحصول على دعم سليماني والحرس الثوري.
ويذكر الموقع أنه خلال اجتماع في أيلول/ سبتمبر 2014 في القنصلية الإيرانية في البصرة، قال قائد مليشيا عراقية لرجل مخابرات إيراني إنه يريد أن يعمل مقاتلوه تحت السيطرة الإيرانية، بدلا من أن يقاتلوا في ظل الجيش العراقي أو وحدات الحشد الشعبي التي تشكلت لمحاربة تنظيم الدولة، وكان مبعث قلقه الرئيسي أيديولوجيا.
وينقل الكاتب عن القائد، قوله للجاسوس الإيراني بأن لديه 600 مقاتل جيد، وينوي أن يوسع المليشيا الخاصة به في المستقبل، لكنه قلق من أن يخسر مقاتلوه انضباطهم الأيديولوجي دون الإرشاد الإيراني، وأضاف أن كثيرا من المتطوعين في وحدات حماية الشعب "قد لا يصلون"، وبأنه يقال إن "بعض القادة وحتى الجنود" في قوات الأمن العراقية يشربون الخمر.
ويذكر الموقع أن قائد المليشيا طلب من الجاسوس الإيراني أن "ينسق لهؤلاء الجنود ليصبحوا تحت قيادة إيران"؛ خوفا على معنويات وانضباط أولئك الجنود، مشيرا إلى أنه بحسب التقرير فإنه تم منحه ما طلبه بحماس.
ويستدرك حسين قائلا إنه يبدو أن بعض العراقيين حملوا صورة رومانسية عن الحرس الثوري، ووجد بعض المقاتلين الذين أرسلوا لإيران ليتدربوا أن التجربة لم تصل إلى توقعاتهم الكبيرة، فقال قائد آخر تلقى مقاتلوه تدريبا في ايران لجاسوس إيراني، بحسب تقرير آخر في الشهر ذاته: "للأسف فإن أولئك الذين نبعثهم لإيران لتلقي التدريب ليسوا سعيدين بالوضع الثقافي في إيران"، واشتكى القائد أن "الأخوة (الحرس الثوري) يصلون فقط الصلوات اليومية الخمس"، وأن المقاتلين الإيرانيين ليسوا بالحماسة ذاتها في ممارساتهم الدينية، كما كان المتدربون العراقيون يتوقعون.
ويقول الكاتب إن "الأمر انتهى بالمليشيات العراقية لأن تؤدي دورا مهما وإن كان مثيرا للجدل في الحرب ضد تنظيم الدولة، وبعد مقتل سليماني تجد بعضها نفسها هدفا للجيش الأمريكي، فخلال 24 ساعة من الغارة التي قتل فيها قائد فيلق القدس وقعت غارة أخرى في شمال بغداد، قتل وجرح فيها عدة أعضاء من مليشيا مدعومة من إيران، وهناك مؤشرات كثيرة على أن هذه الحملة هي البداية فقط، فأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في وقت متأخر من يوم الجمعة أنها وضعت مليشيات عصائب أهل الحق، التي شاركت في مذابح جرف الصخر عام 2014، على قائمة المنظمات الأجنبية الإرهابية، وفرضت عقوبات على عدد من قادتها".
ويبين حسين أنه "على المدى القصير، فإنه من شبه المؤكد أنه سيكون هناك تصعيد في العنف في الشرق الأوسط، وقام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في وقت متأخر من يوم السبت بتوجيه تهديد مستفز لقصف 52 هدفا داخل إيران إن هي قامت بالانتقام لمقتل سليماني، من ضمنها مواقع ثقافية إيرانية، لكن إيران قد لا تحتاج للرد العنيف لفرض ثمن على مقتل قائد فيلق القدس، فتجاوبا مع الغضب العام بسبب الغارة التي قتلت سليماني، وعد رئيس الوزراء العراق عادل عبد المهدي -الذي تصفه الوثائق بأنه على (علاقة جيدة بإيران)، والذي تمتع بدعم شخصي من سليماني عندما طالب المتظاهرون باستقالته- يوم الجمعة بعقد البرلمان للبحث في وضع القوات الأمريكية في العراق، وقد صوت البرلمان يوم الأحد على طرد الجيش الأمريكي من العراق".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "إن قامت الحكومة العراقية بجعل القوات الأمريكية تغادر العراق ردا على مقتل سليماني، فإن ذلك سيكون فصلا آخر فيما أصبح الآن قصة مألوفة: مثل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وقد يكون هذا الاعتداء انتصارا تكتيكيا لأمريكا ينتهي بمنح إيران انتصارا استراتيجيا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
WSJ: هل سيتمكن ترامب من إدارة تداعيات مقتل سليماني؟
التايمز: جلاء القوات الأمريكية عن العراق هدية لسليماني بقبره
FP: كيف أثبت اغتيال سليماني خطورة سياسة ترامب تجاه إيران؟