حينما نبحث عن العقول المدبرة للتفجير
الإرهابي الذي حدث عند نقطة تفتيش مزدحمة في العاصمة
الصومالية مقديشو السبت الماضي، والذي أودى بحياة 150 قتيلا ونحو 90 من الجرحى، لا بد أن نفتش في المعطيات السليمة بغية الوصول إلى النتائج السليمة، ونأخذ في الاعتبار كثرة الطامعين في الحصول على موطئ قدم على السواحل الغربية للقرن الأفريقي وباب المندب، التي تقع عليها دولة الصومال، وتمثل موقعا استراتيجيا متميزا، فيما تطمح السعودية والإمارات لتنصيب حكومة موالية لها على سواحله الشرقية في اليمن.
الصراع التركي الإماراتي
ولكي نضع النقاط فوق الحروف، لا بد أن نعرج على العلاقات الصومالية الإماراتية، حيث سعت دولة الإمارات العربية لإقامة علاقات متميزة مع دولة الصومال، حيث وقعتا مذكرة تعاون ثنائي بين البلدين أواخر عام 2013، تلا ذلك توقيع البلدان مذكرة تفاهم للتعاون العسكري عام 2014، إلا أن العلاقات ساءت عام 2018 إثر قيام حكومة الصومال بإنهاء الوجود العسكري الإماراتي في أراضيها، وإلغاء اتفاقية شراكة بين شركة موانئ دبي والحكومة الإثيوبية لتشغيل ميناء بربرة، مع مصادرة عشرة ملايين دولار في حقيبتين وصلتا على متن طائرة إماراتية خاصة إلى مطار مقديشو، وتعتقد الحكومة الصومالية أنهما كانتا في طريقهما لدعم حركة التمرد (وهي التي تقودها
حركة الشباب المجاهدين التي أطاحت بحكم الديكتاتور سياد بري عام 1990 واستولت على الحكم، إلا أنها تناثرت وتقلص نفوذها عام2007 ). هنا ردت الإمارات بإغلاق "مستشفى الشيخ زايد" في العاصمة الصومالية، وعزت ذلك إلى "نقص التمويل"، فيما شن إعلامها حربا دعائية ضد حكومة الصومال.
ويمكننا ببساطة أن نعزو هذا التوتر في العلاقات الصومالية الإماراتية إلى الغضب من تنامي العلاقات الصومالية التركية في المجالات كافة بشكل كبير، عقب إعادة أنقرة عام 2011 فتح سفارتها التي أغلقتها في مقديشو عام 1991، وهي العلاقات التي توجت أواخر عام 2017 بإنشاء أكبر قاعدة عسكرية تركية في الخارج؛ تركز على بناء قوات عسكرية صومالية محترفة، وتضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى.
الصراع حول ليبيا
ولذلك، فحينما نحاول فهم المتورطين في الحادث الإرهابي، لا بد أن نضع تلك المعطيات في الاعتبار خاصة في ذلك التوقيت، حيث تلتهب في أقصى الشمال على ساحل البحر المتوسط جبهة الصراع بين
تركيا والحكومة الشرعية الليبية من جانب، والجنرال الأمريكي المتمرد خليفة حفتر وقواته المدعومة من الإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل واليونان من جانب آخر، وتتزايد دقات طبول الحرب بين الجانبين يوما بعد يوم.
وبالطبع، سيسعى كل جانب لاستخدام أقصى إمكانياته من أجل إضعاف قدرات الطرف الآخر في لعبة "عض الأصابع" من أجل إشغاله في توترات مناطق نفوذه حول العالم، لدرجة جعلت بعض المحللين السياسيين يعتقدون أن تزايد الهجمات الروسية على مدينة إدلب السورية هذه الأيام، هو أيضا محاولة لتصدير أزمة لاجئين جدد لتركيا، لشغلها عن المسار الليبي الذي تشارك روسيا بقوات غير رسمية لدعم التمرد هناك.
يدعم ذلك التصور أن جماعة الشباب التي أزيحت بالقوة سابقا، والتي كانت دوما تسارع بشيء من الزهو لإعلان مسؤوليتها عن أي عملية تنفذها لتبثت قدرتها على التأثير وامتلاكها زمام المبادرة العسكرية، تأخرت هذه المرة لإعلان مسؤوليتها عن الانفجار قرابة أربعة أيام كاملة، بخلاف مواقفها في التفجيرات الإرهابية السابقة.
المهندسون الأتراك
وهناك نقطة أخرى يجب عدم إغفالها أبدا، وهي أن السيارة المفخخة التي استهدفت نقطة التفتيش، كانت على ما يبدو تستهدف مجموعة مهندسين أتراك يعملون في تشييد طريق من نقطة التفتيش إلى المدينة، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم، وهو ما جعل الخبراء الأمنيين الصوماليين والأتراك، يؤكدون أن المستهدف من التفجير، هم أصلا المهندسون الأتراك، وذلك لتوصيل رسالة لأنقرة بأن مصالحها في الخارج تحت مرمى النيران، وهي الرسالة التي تؤكد أيضا أن المتضرر من التقارب التركي الصومالي هو صاحب المصلحة الأولى من التفجير، فضلا عن أن استهداف المهندسين الأتراك هو في الواقع استهداف لأحد أقوى الأدوات التي تسخرها تركيا من أجل التقارب مع شعوب العالم، حيث ينفذ هؤلاء المهندسون (مثلهم مثل جميع الكوادر التي تقدمها تركيا لحلفائها) أعمالا تحظى باهتمام شعبي وتلامس حاجات الناس.
المخابرات الصومالية وضعت يدها على المنفذين للهجوم دون أن تفصح عنهم، ولعل المعطيات السابقة التي سردنا قد أوصلتنا إلى المجرم الحقيقي الذي ربما تقصده المخابرات الصومالية.
ويشير الهجوم إلى أن أعداء تركيا في الخارج لا يتورعون عن قتل الأبرياء من أجل توصيل رسالة بائسة وغبية ومخضبة بالدم.