بعد مرور عام على الحدث الأمني الأبرز في الصراع بين المقاومة والاحتلال، لا زالت توابع الهزة العنيفة التي اصابت مؤسسة الاستخبارات لجيش الاحتلال، تضرب بين الحين والآخر المستوى السياسي والعسكري في الكيان.
في أسوأ كوابيس قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية، لم يتوقعوا أن تنهار الأسطورة الأمنية التي شيدوها على مدار عقود خلال ساعات من مساء يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، عندما تسللت قوة
إسرائيلية خاصة إلى قطاع
غزة بهدف زراعة منظومة تجسس للتنصت على شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في قطاع غزة، فتتحول إلى صيد ثمين لمقاتلي كتائب القسام، ويسقط كنز استراتيجي في قبضة
حماس، لم تكن لتحصل عليه عبر سنوات من صراع الأدمغة.
فقدان الكنز الاستراتيجي دفع رئيس الأركان أفيف كوخافي، وقبل نحو أسبوعين من الذكرى السنوية الأولى للعملية التي أطلقت عليها المقاومة "حد السيف"، إلى إلغاء تعيين المقدم (ع) كقائد وحدة التكنولوجيا التابعة للاستخبارات العسكرية قبل استلامه مهام منصبه رسمياً، وذلك على خلفية عملية خانيونس الفاشلة، وكجزء من دروس الفشل في حد السيف تقرر تعيين ضابط تكنولوجي على رأس الوحدة، وليس ضابطا مقاتلا كالمقدم (ع)، حيث تعتبر وحدة التكنولوجيا التابعة لقسم الاستخبارات "جوهرة التاج" بالنسبة لجيش الاحتلال، فمنها تنطلق التطورات التكنولوجية المتميزة.
تداعيات العملية قبل عام لا تتوقف عند الحدث والإخفاق الذي صدم الكيان، فكل التقديرات الأمنية والعسكرية، سواء لدى المقاومة أو الاحتلال، تشير إلى أن فشل الاحتلال بسيف المقاومة في خانيونس ستكون لها امتدادات رادعة للاحتلال مستقبلا؛ حال فكر بخوض عمليات مماثلة بسبب حجم الخسائر متعددة الأوجه والجوانب.
خسائر تبدأ من انكشاف الفريق الأمني العسكري الخاص الذي تعايش مع غزة لسنوات وخاض تدريبات نوعية جعلته الأخطر والأجرأ، حيث تمكنت كتائب القسام من "كشف أفراد القوة بأسمائهم وصورهم وطبيعة مهماتهم والوحدة التي يعملون فيها، بعد مقتل قائد القوة التي تم سحبها من المكان في عملية عسكرية معقدة. تدخل خلالها الطيران الحربي والمروحي وطائرات الاستطلاع والمدفعية الصهيونية، ونُفذت عشرات الغارات على محاور الطرق وضد المقاومين الملاحِقين للقوة الخاصة الهاربة، إلى أن تمكنت القوة الخاصة من الهروب بالقتيل والإصابات تحت هذا الغطاء الناري، وبمساعدة طائرة مروحية قامت بإخلائها".
ولا تنتهي الكارثة الأمنية عند خسائر القوة الخاصة، فقد سيطرت" القسام" على أجهزة تقنية ومعدات تحتوي على أسرار كبيرة (ظن العدو أنها تبخرت باستهدافه لمركبات ومعدات القوة) تمكنت من خلالها معرفة أساليب عمل وحدات النخبة، ونشاطها الاستخباري والتخريبي في فلسطين والعديد من الساحات الأخرى، من خلال مستوى أمني احترافي يعتمد على تقنيات معقدة تنفرد دولة الاحتلال وبعض الدول الكبرى بامتلاكها.
كما استطاعت المقاومة وللمرة الأولى، من خلال ما حصلت عليه من معلومات وأدوات استخباراتية، أن تكتشف كيف تدار العمليات الأمنية في فلسطين ودول الجوار، بتفاصيل دقيقة، وبناء على هذه الصورة الكاملة تمكنت المقاومة والأجهزة الأمنية في غزة، من ضرب البنية الأمنية التحتية التي يعتمد عليها في عملياته السرية في قطاع غزة، متمثلة بشبكة جواسيس وأساليب وطرق تمويه تعتمد على شخصيات أجنبية ومؤسسات تعمل تحت لافتة مؤسسات أهلية وإغاثية دولية، ومحطات للرصد والمتابعة والإيواء للقوات الخاصة.
وقد استخدمت القوة التي سقطت في خانيونس هذه الإمكانيات، حيث تضمنت خطة التمويه كل الوثائق اللازمة والغطاء لتنفيذ مهمتها، فزوّرت بطاقات شخصية باسم عائلات حقيقية في غزة، واستخدمت مركبتين بأوراق مزورة، وزوّرت أوراقا لجمعية خيرية استخدمتها كغطاء لعملها. كما استأجرت القوة إحدى الشاليهات في منطقة خانيونس من مواطن فلسطيني لعدة ساعات كنقطة التقاء.
ومن بين توابع الفشل المدوي للعملية على الصعيد المعنوي، كسر الهيبة الأمنية للاحتلال التي طالما تباهى بقوتها أمام العرب والفلسطينيين. فقد ظلت الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) إلى عهد ليس بالبعيد؛ محل مباهاة ومفاخرة صهيونية، وعلامة فارقة في تاريخ العمل الاستخباري، وخصوصاً ذلك المتعلق بالعمليات المباشرة وتهيئة الأرضية لها، سواء كان في فلسطين أو خارج فلسطين.
البهرجة والهالة التي أحاطت بهذا الجسم تلاشى في لحظة وتبخّر في شوارع خانيونس إبّان عملية حد السيف، وتثبت الأيام ومجريات الأحداث التي تعصف بالاستخبارات العسكرية الصهيونية أن المقاومة وكتائب القسام لم تكن تخدع جمهورها ولا تدغدغ عواطفه، حين وصفت ما حدث لوحدة سييرت ماتكال (وحدة نخبة في جيش الاحتلال) ومن بعدها للاستخبارات العسكرية الصهيونية؛ بالضربة القاسية والأشد في تاريخ الاحتلال.
لقد تسببت عملية حد السيف باستكمال الهزيمة وكي الوعي عندما ردت المقاومة بقصف مستوطنات الاحتلال، ومن ثم استقالة ليبرمان وتحوُّل نتنياهو من شخص مجمَع عليه في كل الاستطلاعات أنه حامي الحمى، إلى شخص يوازي في وزنه أي قائد صهيوني آخر. كما سقطت صورة وحدة سييرت متكال، وتزعزعت الثقة لدى ضباطها وجنودها.
في مساء يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر حاولت القوة الإسرائيلية الخاصة أن تنفذ عملية سرية خلف خطوط المقاومة كما اعتادت، من خلال تسلل أفراد قوة الكوماندوس وقوامها 15 فردا، جميعهم من جنود قوات النخبة في جيش الاحتلال، موزعين على مجموعتين، إحداهما مجموعة تنفيذ، والأخرى مجموعة تأمين. وقد تسللوا من إحدى المناطق الوعرة في السياج الفاصل، مستغلين وجود الضباب الكثيف.
المهمة انقلبت لصالح المقاومة وتمكنت من اختراق الستار الأمني الذي يحيط بعقل المؤسسة العسكرية، اختراق نقل المواجهة إلى نقطة فارقة، حيث تمكنت المقاومة من تفكيك العديد من العمليات السرية بعد "حد السيف"، لم يتم الإعلان عن تفاصيلها حتى اللحظة، لدواعي أمنية ولأسباب تكتيكية، لكن أحداثها أقرب لأفلام الآكشن والجاسوسية، هذه المرة المقاومة تلعب دور البطولة وليس استخبارات الاحتلال.