يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ماض نحو تكريس الغموض في ما يخص النهاية المفترضة للحرب في اليمن، على نحو يلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل اليمنيين الذين شعروا بأن جارتهم الشمالية استغلت نفوذها وإمكانياتها لخديعتهم واستلاب حقهم في استعادة الدولة واستلاب السيادة من السلطة الهشة المتبقية لهم في خضم الغبار الكثيف الذي خلفته عاصفة الحزم على مدى السنوات الأربع ونيف من زمن الحرب.
إعادة إنتاج لتفاهمات فاشلة
منذ أن تم التوقيع عليه في الخامس من الشهر الجاري، تواصل المملكة العربية السعودية ـ بحماس كبير وبإسناد إماراتي ـ التحشيد في الأوساط الدولية لدعم "اتفاق الرياض" الذي أجبرت السلطةَ الشرعية على التوقيع عليه مع طرف من الأطراف اليمنية الجنوبية، وعلى خلفية أزمة وضعها التحالف بمكره المعهود أمام السلطة الشرعية الضعيفة المحتجزة في الرياض، وكان أداتها الحادة خلال العامين الماضيين هو المجلس الانتقالي الجنوبي.
وعليه فإن ما جرى في الرياض، وحاولت السعودية تقديمه كإنجاز كبير على طريق إحلال السلام الشامل على الساحة اليمنية، ليس إلا حرثٌ في جزء يسير من حقل الأزمة اليمنية الواسع والمتشعب، وأقل ما يقال فيه أنه وضع الكثير من المنغصات والتعقيدات أمام مهمة السلطة الشرعية المقبلة في المناطق المحررة التي تشغل معظم الجزء الجنوبي من اليمن.
لا يبدو أن الإمارات ستفقد على الفور نفوذها كاملاً في جنوب اليمن، رغم هذا الإحلال المكثف للوجود العسكري السعودي محل النفوذ العسكري للإمارات،
الإمارات لن تفقد نفوذها
لا يبدو أن الإمارات ستفقد على الفور نفوذها كاملاً في جنوب اليمن، رغم هذا الإحلال المكثف للوجود العسكري السعودي محل النفوذ العسكري للإمارات، خصوصاً في العاصمة المؤقتة عدن، وليس لدي أدنى شك بأن أبوظبي ستتخلى بسهولة عن سياسة تخليق الفوضى المسيطر عليها في جنوب اليمن.
وذلك بالتحديد سيبقى متاحاً ما بقيت الأنشطة الاستخبارية وفرق القتل الميدانية المدعومة من هذه الدولة، قيد العمل النشط، وما بقيت التشكيلات العسكرية التي أنشأتها في جنوب البلاد، متحررة من السيطرة المركزية للسلطة الشرعية، رغم أن هذه السلطة يُعاد إنتاجها وفقاً للمقاييس التي حددتها الرياض وابوظبي في الاتفاق، والذي يوجد من بين مواده ما ينص على إقصاء صقور الشرعية المدافعين عن الدولة اليمنية الاتحادية من التشكيلة السلطوية المقبلة.
هذا الاتفاق إذاً يعاقب قادة وجدوا أنفسهم قبل ثلاثة أشهر، في مواجهة انقلاب مكتمل الأركان لفرض خيار الانفصال، ولم يكن بوسعهم سوى فضح داعميه الإماراتيين الذين باتوا وفقاً لهذا التوصيف طرفاً معادياً تكرست صورته تلك بعد أن قام طيرانه الحربي بقصف أرتال الجيش الوطني على مشارف عدن مخلفاً أكثر من (300) شهيد من جنود وضباط هذا الجيش.
سيواصل ولي العهد السعودي تسويق نفسه كرجل صانع للسلام بعد أعوام من الادعاء بأنه يدير حربا مسيطرا عليها في الساحة اليمنية
اتفاق الرياض إذ يعكس الأهداف الجيوسياسية للمملكة