كتاب عربي 21

"دود المش منه فيه"!

1300x600
وكما قالت المطربة خالدة الذكر: "ويا ميت ندامة على اللي حب ولا طالشي"!

فلأن فريقا من المصريين وجد عبد الفتاح السيسي في أزمة، اندفعوا يضعون تصوراتهم بما يصب في مصلحتهم، لكنه كان كالحاوي الذي وضع يده في جرابه، فأخرج من فيه، ولم يأت بشيء من خارجه!

لقد وجد بعض الإعلاميين أن الفرصة مواتية ليقدموا خدماتهم، فأرجعوا الأزمة إلى ضعف الإعلام المصري، وضعف مهارات القائمين عليه. وعلى قاعدة أن مصر تستحق إعلاما أفضل، فقد اندفعوا يعرضون بضاعتهم، لكن من بيده "عقدة النكاح" قام بالاستعانة بـ"الأنفار" أنفسهم، فأعاد بعضهم إلى محللين، كما في حالة يوسف الحسيني، ولم يستعن بأحد من الذين يقفون على الرصيف، كما عمال التراحيل، في انتظار المنادي، الذي لم يأت أبداً.

وكذلك الأمر بالنسبة لقوى الفشل السياسي عند الحديث عن الإصلاح السياسي، فقد كانت غاية أحلامهم أن يكونوا في الصورة، بعد رد الاعتبار للسياسة. فالسيسي وإن كان أعلن أنه فخور بكونه ليس سياسياً، فها هو يخشى من ثورة عليه، بعد فيديوهات المقاول والفنان محمد علي، فيبدأ العزف على نغمة الإصلاحات السياسية والإعلامية. لكن بالأداء تبين أن من سيقوم بدور المعارضة ليس منهم، ولكن من ذات الفريق، واستمعنا لعدد من الجوقة في البرلمان، يتحدثون بلسان المعارضة، فحتى رئيس مجلس النواب علي عبد العال حمل على الحكومة، بعد أن تحولت إلى شماعة تعلق عليها كل الأخطاء، فلا ينبغي له أن يسكت على قيامها بتصدير المشكلات للرئيس، أو هكذا قال!

كامل العدد:

إنها ثقافة "دود المش منه فيه"، والمعنى أن "دود المش" لا يأتي من خارجه، فهو إفراز له، ونظام السيسي "كامل العدد"، فلا يستعين من خارج دائرته بأحد، هو فقط يغير توصيفهم. فالإصلاح الإعلامي يعني إعادة أذرعه الإعلامية للمشهد، ونفس الذين يقومون بالدفاع عن الحكومة يغير مسماهم الوظيفي إلى معارضة إذا لزم الأمر، وفي كل لحظة يثبت أنه ليس جاداً في الإصلاح السياسي أو الإعلامي، لكنه يكسب وقتاً بدغدغة العواطف الجياشة للبعض.

وتغيير المسمى الوظيفي، هو على طريقة ما يحدث مع "محمود إبراهيم" ضيف قناة الجزيرة، حيث تغير توصيفه من رئيس الحملة الإعلامية للفريق أحمد شفيق، إلى رئيس الحملة للفريق على فيسبوك، إلى نائب مدير مركز الاتحادية لدراسات الرئاسة، إلى محام وباحث سياسي، والثابت فقط في حالته هو اسمه "محمود إبراهيم"!

لقد تحدث ياسر رزق "كليم السيسي"، عن أن الإصلاح السيسي ينتظر مصر في سنة 2020، فلما لم يجد أحدا مهتماً بذلك عاد ليقول بأن الإصلاح السياسي على الأبواب، ويدين عملية اعتقال مين ينتمون لتحالف 30 يونيو، وينسبها للأجهزة الأمنية، وكأن عبد الفتاح السيسي مغلوب على أمره، وفي هذه اللحظة تذكرت مقولة قديمة للكاتب محمد حسنين هيكل في السنوات الأولى من حكم مبارك: "لا أعرف من يحكم مصر الآن"؟!

ومهما يكن، ففي صباح اليوم التالي للتبشير بالإصلاح السياسي وإدانة اعتقال تجمع 30 يونيو، كان الناشط السياسي علاء عبد الفتاح يجري اقتياده من قسم شرطة الدقي، إلى نيابة أمن الدولة العليا التي قررت حبسه خمسة عشر يوماً.

دغدغة المشاعر:

ومع هذا الحديث، فلا يزال هناك من هم قابعون خلف السجون من هذا التجمع الباسل الذي مثل غطاء مدنيا للانقلاب العسكري، وبعضهم كل تهمته أنه كان يخطط لخوض انتخابات البرلمان القادمة، فهل هذا نظام مؤهل لأي إصلاح من أي نوع، إلا بتغيير اللافتة، على ذات الأشخاص، على نحو يذكرنا بإنشاء المنابر من رحم الاتحاد الاشتراكي، عندما قرر السادات الأخذ بنظام التعددية الحزبية، وقد تحولت المنابر إلى أحزاب، وثلاثة من الضباط هم من أوكل رئيس الدولة بالمهمة إليهم، وهي خطوة متقدمة عن تلك التي يدعو لها السيسي ويبشر بها إعلامه في حملة دغدغة المشاعر!

لا أعرف كيف يمكن أن يحدث الإصلاح الإعلامي، والإعلام المصري كله تديره الأجهزة الأمنية، إما بالملكية الكاملة أو بوضع اليد، ونعيش في مشهد لم نمر به من قبل عندما تسند مهمة إصدار صحيفة مستقلة، "المصريون"، لمؤسسة صحيفة حكومية هي "أخبار اليوم"، فضلاً عن أن القنوات التلفزيونية جميعها تملكها هذه الأجهزة بعد أن استحوذت عليها من أصحابها، فكيف يتم الحديث عن الإصلاح الإعلامي، إلا إذا كان المقصود به هو استدعاء يوسف الحسيني، ليصح ضيفا بدلا من مذيع، وهي آخر مهنة عمل بها قبل إحالته للتقاعد بدون جريمة أو ذنب ارتكبه في حق الآلهة.

وأن الإصلاح السياسي لن يخرج عن هجوم علي عبد العال على الحكومة وتحميلها فشل الحكم، وهي الحكومة التي لم يناقش البرلمان استجوابا واحدا ضد أحد أعضائها، ولو على طريقة البرلمانات السابقة، حيث تنتهي الاستجوابات بتجديد الثقة في الوزير المستجوب والانتقال إلى جدول الأعمال!

لقد كان البرلمان خلال السنوات الأربع الماضية، يرى أنه مجرد كيان هلامي مهمته تمرير القوانين بالشكل الذي يريده السيسي ولاستكمال الشكل فقط، وعندما رأى بعض الإعلاميين أن يهاجموا الحكومة، أخذا بصيغة قديمة، فإن من رفض هذا هو عبد الفتاح السيسي نفسه!

لقد كان السادات يتصدى لمعارضته أحزابا وجماعات وأفراد، ويبادلها هجوما بهجوم، وعندما قيل له إن هذا ينال من مكانة رئيس الدولة، وأن على الحزب الحاكم والحكومة هي من تتصدى للمعارضة، لتتلقى بالنيابة عنه سهامها رفض، ولما جاء مبارك لم يدخل طرفا وإنما ترك الأمر للحكومة، فكان المعارض المستأنس يهاجم الحكومة أو أحد الوزراء ثم ينهي الأمر بأن هذا الفساد لن يقبل به الرئيس، مع أن الرئيس هو المسؤول الحقيقي عن كل الفساد.

وقد رأى البعض استعارة هذه التجربة في عهد عبد الفتاح السيسي، لكنه هاجمهم واحتد عليهم وهو يقول إن أحداً لا يعرف الوزراء مثله لأنه يجلس معهم ست ساعات يومياً، وهو يريد أن يقول إنهم ليسوا أكثر من سكرتارية، وأنه الوزير الأول في كل وزارة. وهذا صحيح، لكنه اليوم وبعد حملة محمد علي، لا يجد هناك مانعا في أن تنوب عنه الحكومة في تحمل الفشل، وأن يسمح ببعض الأدوار لرجاله خارج أدوارهم الحالية؛ بأن يقوموا بدور المعارضين على قاعدة "دود المش منه فيه"!

فالأماكن كلها محجوزة.. فهم الحكومة، والمعارضة منهم، وفي عهد الإصلاح الإعلامي سيتحول المذيع إلى محلل، والمحلل إلى مذيع، فلا شيء سيتغير، ولا عزاء لمن يقفون على الرصيف في انتظار الدور على مسرح الحكم العسكري.

فدود المش منه فيه!