قضايا وآراء

عن مؤتمر الإخوان المسلمين أتحدث

1300x600

عقدت جماعة الإخوان المسلمين مؤتمرا فكريا في إسطنبول يومي السبت والأحد 14-15 أيلول/ سبتمبر.

كان أول إعلان إعلامي عن المؤتمر حديثا جدا!!

كان من الممكن أن يكون هذا المؤتمر نقطة انطلاق وتقريب لوجهات النظر، واستيعاب الجميع ورسم ملامح المستقبل، لو راعى هذا المؤتمر المعايير العلمية للمؤتمرات الفكرية، وهي الزاوية التي سأعلق عليها منهجيا.

الهدف: ما هو هدف المؤتمر؟ هل كما أعلن عنه النظر في التجديد في فكر الجماعة مع المحافظة على أصالتها؟ أتجديد فكر الجماعة يتم في يومين وليلة؟

من المخاطب؟ الغرب؟.. ما الجديد الذي تقدم به نفسك للغرب؟ ولماذا تخاطبه؟ وأي غرب تخاطب من مؤتمر بالعربية في تركيا؟ أأنت تخاطب الداخل؟ وهل سمعت صوت الداخل من أبنائك؟

الموعد: كيف تتم الدعوة إلى مؤتمر فكري في وقت لم يتعد بضعة أسابيع؟ وعلى حد معلوماتي من بعض المتداخلين في المؤتمر، فقد طلب من بعضهم إعداد مداخلة قبل المؤتمر بأسبوعين، وآخرين قبلها بأسبوع واحد.

إن أي مؤتمر فكري محترم لا بد أن يدعى إليه على الأقل قبل موعده بستة أشهر.

الإعداد: يجب أن يقسم المؤتمر إلى ورشات عمل، في كل ورشة متخصصون يعدون أوراقهم حول أسئلة محددة في هذا المحور، ثم تقدم الأوراق إلى هيئة المؤتمر قبل ثلاثة أشهر لتوزع على كل المشاركين للقراءة والاطلاع وتجهيز نقاط تقرب الرؤى المشتركة.

المشاركون: ينقسم المشاركون إلى ثلاثة أصناف؛ القسم الأول: المحاضرون الرئيسيون، وهؤلاء هم العلماء المتخصصون. بمعنى آخر، الملف الشرعي فيه شيوخ متخصصون في الشريعة، والملف الفكري فيه علماء في فكر الحركة الإسلامية، والملف السياسي له سياسيون وأكاديميون متخصصون في السياسة، وهكذا. ويراعى في هؤلاء المحاضرين أن يشملوا أصحاب الآراء المتناقضة إن أمكن، أو على الأقل الآراء المختلفة، وأن يكونوا من خارج وداخل الإخوان.

القسم الثاني: الشباب، ذكورا وإناثا، والمنوط بهم حمل هذه الدعوة ووراثتها وتنفيذ هذه الرؤى المستقبلية.

القسم الثالث: عموم أعضاء الإخوان ومحبيهم، وهؤلاء يفسح لهم المجال لإرسال مداخلاتهم على البريد الإلكتروني للمؤتمر، حيث لا يتمكنون من الحضور، وتقوم اللجنة المنظمة للمؤتمر بتبويب هذه المداخلات حسب المحاور وإرسالها إلى ورشات العمل المتخصصة.

التخصصية
: إذا كان المؤتمر سيتحدث عن أطر عامة تخص الإخوان المسلمين على مستوى العالم كفكر، فسيكون المؤتمر محكوما عليه بالفشل قبل بدئه، لا لشيء سوى أن القضايا الجوهرية لجماعة الإخوان في العالم محل اختلاف فكري وتطبيقي شاسع. فالإخوان في اليمن ما زالوا يستخدمون السلاح وكذلك في فلسطين، وهما سياقان مختلفان تماما، كما حملت الجماعة السلاح في ليبيا والعراق وسوريا، فحين يأتي المؤتمر يتحدث عن سلمية النهج فهو يناقض نفسه. وحين تتحدث عن العمل السياسي تجد النموذجين المصري والأردني صاحبي حزب الجماعة، والمغربي صاحب الحزب البعيد عن الجماعة، وإخوان الخليج الذين انغمس بعضهم في السياسة ورآه آخرون خطا أحمر لم يلجوه ولا حتى بالكلام.

نجاح المؤتمرات بالتركيز على أشياء يمكن الاتفاق عليها، فَلَو كان المؤتمر عن الملف المصري أو اليمني باعتبارهما أكثر الملفات سخونة لكانت فرص نجاحه أكبر، ولو كان المؤتمر عن تخصص واحد، كالفكر أو السياسة أو العمل المجتمعي مثلا، لكان أفضل.

إسقاطات المؤتمر على الواقع

هل إذا انتهت مخرجات المؤتمر إلى ضرورة إجراءات تغييرات جذرية في فكر الجماعة أو أساليب عملها أو هيكليتها التنظيمية؛ ستكون هناك آلية تضمن تطبيق هذه الخلاصات؟ أم إن المؤتمر ظهور إعلاني إعلامي ليس إلا لسد الطرق على أية مطالبات حقيقية بالإصلاح والتغيير داخل الجماعة، ومنصة للفضفضة وامتصاص غضب البعض وتنفيس للآخرين؟

ألم تصدعنا قيادة الجماعة بأنها منتخبة من مجلس شورى؛ لا يستطيع الاجتماع في ظروف مصر الراهنة لانتخاب قيادة جديدة؟ أوليس الإصلاح المطلوب يجب على نفس مجلس الشورى أن يتبناه؟ وبما أنه لن يجتمع، فستكون أوراق المؤتمر ملفا آخر ينتظر اجتماع الشورى المنتظر بعد تفريج الكربة في مصر، سواء تم هذا الاجتماع في الحياة الدنيا أم الآخرة!

الاستثناء الوحيد هو أن منظمي المؤتمر كانوا على يقين بأنه سيخرج بخلاصة ليس في الإمكان أفضل مما كان ويكون الآن.

جاء المؤتمر بمحاضرات تلقيها قيادات الإخوان من أقطار مختلفة، ويحضرها رجال الحرس القديم من القيادات، وجمهور تم انتقاؤه بعناية من تركيا من الموالين للقيادة، أو على الأقل لا يشاغبونها، إلا من رحم ربي، وقليل ما هم.

إذن، جاء المؤتمر وانتهى زبدا (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ).

انظر البيان الختامي الذي كتب منذ 90 سنة..


السؤال الهام أيضا: هل الأموال التي صرفت على هذا المؤتمر (المسلوق) كان الأولى أن تصرف على أهالي المعتقلين والشهداء والمهاجرين في بقاع الأرض، طالما أنه لم يعد وفقا للمعايير العلمية؟ تساؤل يطرحه كل من يساهم في وضع الجماعة الحالي بمليم من قوت أولاده.

الأمر الأخطر على الإطلاق، أن هذا المؤتمر كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. لقد أورث المؤتمر حالة إحباط ويأس من قيادة الجماعة الحالية لدى قطاع كبير ممن كانوا يظنون أن هناك بصيص أمل في هذه القيادة.

لقد كان تغيير قيادة الإخوان أحد مطالب الكثيرين المطالبين بالإصلاح، وأستطيع الزعم أنه بعد هذا المؤتمر أصبح تغيير القيادة المطلب الأول والأولى.