أثارت بيانات حكومية، كشفت عن عجز قياسي جديد بالموازنة الأمريكية، مخاوف في الأوساط الاقتصادية والسياسية الدولية بشأن خطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتمويل هذا العجز، وطرحت العديد من التساؤلات حول تأثير ذلك على الاقتصاد العالمي الذي يعاني من ضعف في النمو، ويطارده شبح الركود.
وكشفت بيانات نشرتها وزارة الخزانة الأمريكية، أن العجز في الموازنة بلغ الشهر الماضي 200 مليار دولار، ليتخطى إجمالي العجز في الأحد عشر شهرا المنقضية من السنة المالية 2019 (بدأت في أول تشرين الأول/أكتوبر الماضي) حاجز تريليون دولار مسجلا 1.067 تريليون دولار مقارنة مع عجز قدره 898 مليار دولار في الفترة نفسها من السنة المالية السابقة.
وقالت الوزارة، إن الإنفاق الاتحادي في أغسطس/آب بلغ 428 مليار دولار بانخفاض قدره 1%، مقارنة مع الشهر نفسه من العام الماضي، بينما بلغت الإيرادات 228 مليار دولار بزيادة قدرها 4% مقارنة مع أغسطس/آب 2018.
والجمعة الماضية، قال رئيس البنك المركزي الاسترالي، فيليب لوي: "يبدو أن النظام السياسي في الولايات المتحدة يعاني من صعوبة في ممارسة الانضباط في الميزانية".
وردا على التساؤل حول ما إذا كان ينبغي لأستراليا أن تكون أكثر قلقا بشأن عجز الميزانية الأمريكية المتصاعد، قال لوي: "أنت أفضل حالا باستخدام السياسة المالية من السياسة النقدية المتطرفة. ولكن لا يمكنك فعل ذلك إلا إذا تصرفت بشكل سليم في الأوقات الجيدة. وفي رأيي هذا الأمر لا ينطبق على ما تقوم به الولايات المتحدة".
وأضاف لوي: "عجز الموازنة الأمريكية يبلغ 4-5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الوقت الذي وصلت نسبة البطالة في الولايات المتحدة إلى أدنى مستوى منذ أواخر الستينات، ومن المتوقع أن يبقى العجز عند هذا المستوى، مما يوحي بأن أمريكا تغض الطرف عن المشكلة".
وحول دلالات تفاقم عجز الموازنة الأمريكية، وانعكاساته على الاقتصاد العالمي، قال الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، إنه "يأتي في إطار مؤشرات أخرى تكشف وجود ضعف في الاقتصاد الأمريكي، مدفوعا بالسياسات الاقتصادية التي يتبعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تتصادم مع رؤية ومخططات المحللين الاقتصاديين والبنك المركزي الأمريكي، وأبرز مثال على ذلك الخلاف الدائر على "أسعار الفائدة".
اقرأ أيضا: من جديد.. رئيس الاحتياطي الفيدرالي عرضة لهجوم ترامب
وأكد خلال حديثه لـ"عربي21"، أن ضعف نمو الاقتصاد الأمريكي، وتزايد عجز الموازنة، يلقي بظلاله بشكل عام على أداء الاقتصاد الأمريكي وقيمة الدولار العالمية، مستدركا بالقول: "وكما هو معروف أن الاقتصاديات الدولية مرتبطة كليا بالدولار الأمريكي، فإن أي صعود أو هبوط لمؤشر الدولار يؤثر بالتبعية على الاقتصاد الدولي، إلى جانب الحرب التجارية بين واشنطن وبكين".
"أزمة جديدة"
وأضاف القاسم: "مؤشرات الاقتصاد الأمريكي، كتراجع معدلات التوظيف وارتفاع التكاليف العسكرية وزيادة الانفاق الحكومي، إلى جانب الإعفاءات الضريبية للأغنياء، لا تدل على أنه خرج من أزمة 2008، بل وتؤشر إلى أن الاقتصاد الأمريكي قد يدخل أزمة اقتصادية جديدة".
وتابع: "يجب الاعتراف بأن الولايات المتحدة لم تعد القوة الاقتصادية الوحيدة في العالم، فهناك قوى اقتصادية صاعدة مثل الصين وروسيا والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل باتت تنافس الاقتصاد الأمريكي".
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن "ترامب يسعى حاليا إلى تغيير قواعد التجارة الدولية من خلال عقد اتفاقيات ثنائية مع الدول الكبرى واستبعاد المنظمات أو الانسحاب من الاتفاقيات الدولية، وهو ما ينسف أسس نظام التجارة الدولية"، مؤكدا أن سياسة الحمائية التي تتبناها الولايات المتحدة الآن (حرب الرسوم) ستبقى أكبر مهدد حقيقي لنمو الاقتصاد الدولي.
وأردف: "الولايات المتحدة فتحت معارك اقتصادية تصل إلى درجة الحروب، مثل معاركها مع الصين والمكسيك وكندا وكذلك الاتحاد الأوروبي، وهذا لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة ولا مصلحة الاقتصاد الدولي، لكن يبقى هناك أمل في بقاء أسعار النفط عند مستويات تتناسب مع الدول المستهلكة وهو ما يقلل من حجم الأضرار على الاقتصاد الدولي".
"خيارات ترامب"
وحول خيارات ترامب لتمويل عجز الموازنة المتفاقم، قال القاسم، إن "أمريكا قادرة على تمويل العجز داخليا، وقد تلجأ لنوع من الحروب الاقتصادية ورفع الرسوم الجمركية لتمويل العجز، وتقليل حجم خسائرها الاقتصادية، إلى جانب فرض جباية على بعض دول الخليج في صورة استثمارات ضعيفة، كما حدث في صفقة الـ450 مليار دولار".
اقرأ أيضا: ترامب يبقي الباب مواربا أمام إمكانية تخفيف العقوبات على إيران
وأشار إلى أن "سياسة الحروب الاقتصادية والجباية التي تفرضها أمريكا على دول كثيرة قد تساهم في دعم الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير، لكنها لن تحل الأزمة بين فجوة الاقتراض المتزايدة وحجم الناتج المحلي، خاصة بعد أن تخطت المديونية الأمريكية سقف الـ16 تريليون دولار كخط أحمر، واقترابها من حاجز الـ22 تريليون دولار".
ولفت إلى أن "السياسة الأمريكية مبنية كليا على المصالح الاقتصادية، وعندما يشعر ترامب بالخطر الاقتصادي يتحول من رئيس دولة إلى تاجر او مندوب مبيعات، وينتهج سياسة المقايضة والابتزاز باسم الحماية خاصة مع الدول العربية وتحديدا الخليجية الغنية بالنفط".
"تأثير محدود"
ومن ناحيته، قلل الباحث الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية، زهير ناصر، من تأثير تفاقم عجز الموازنة الأمريكية على الاقتصاد العاملي، قائلا: "باعتقادي أنه سيكون هناك بعض القلق، ولكن لن يكون هناك أي تأثير على الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي، لأن عجز الموازنة الأمريكية دائما ما كان كبيرا، ودائما ما كان خارج التوقعات".
وأشار في تصريحات لـ "عربي21"، إلى أن وصول عجز الموزانة الأمريكية إلى مستويات قياسية، سينعكس سلبا على الميزان التجاري فقط، لافتا إلى أن "ترامب يسعى حاليا لعلاج ضعف الميزان التجاري من خلال حربه التجارية مع الصين، وعقد اتفاقيات تجارية جديدة، وصفقات سلاح، تقلل من عجز الموازنة، وتعود بالفائدة على الولايات المتحدة".
وتوقع ناصر، أن "يحاول ترامب في الشهور القادمة التهدئة من وتيرة حرب الرسوم الجمركية مع الصين، معللا ذلك بسببين "الأول قرب الاحتفالات بأعياد الميلاد، كون هذه الرسوم تؤثر على المستهلك الأمريكي، والثاني قرب الانتخابات الأمريكية، وخشيته من أن تؤثر هذه الحرب على فرص نجاحه في الفوز بولاية ثانية لرئاسة البيت الأبيض".
هكذا تستفيد موسكو من الحرب التجارية بين بكين وواشنطن
ارتفاع أسعار النفط بعد تصريحات ترامب بشأن الصين
الصين تحذر من عواقب سياسة "الاستقواء" التي يتبعها ترامب