نشر المركز الإعلامي لمجلس الوزراء على صفحته في فيسبوك الأحد الماضي؛ إنفوجرافاً سلط من خلاله الضوء على قرار البنك المركزي المصري بخفض سعر الفائدة على الإيداع والإقراض بواقع 1,5 في المئة، ليصل إلى 14,25 في المئة على الإيداع، و15,25 في المئة على الإقراض، وذلك في 22 آب/ أغسطس 2019م، مقارنة بـ 15,75 في المئة على الإيداع، و16,75 في المئة على الإقراض في 14 شباط/ فبراير 2019م.
وبرر مجلس الوزراء خفض سعر الفائدة بثلاثة عوامل رئيسة: أولها انخفاض معدل التضخم، ليسجل 8,7 في المئة في تموز/ يوليو 2019م، وهو ما يتسق مع تحقيق المعدل المستهدف من قبل البنك المركزي والمقدر بحوالي 9 في المئة (± 3 في المئة) للربع الرابع من عام 2020م، وثانيها: انخفاض معدل البطالة إلى 7,5 في المئة خلال الربع الثاني لعام 2019م، مقارنة بـ 13,3 في المئة خلال الربع الثاني لعام 2013م، أما العامل الثالث فهو ارتفاع معدل النمو ليصل إلى 5,6 في المئة عام 2018/ 2019م، مقارنة بـ2,9 في المئة عام 2013 /2014م. كما رصد الإنفوجراف ارتفاع سعر الفائدة الحقيقي للودائع في البنوك الذي يعكس العائد الحقيقي للمقترضين أو المودعين بعد إزالة آثار التضخم، ليصل إلى 5,59 في المئة في آب/ أغسطس 2019، مقارنة بـ13,2 في المئة في آب/ أغسطس عام 2017، وذلك بعد انخفاض التضخم.
كما تطرق الإنفوجراف كذلك إلى الآثار المتوقعة لخفض سعر الفائدة، والتي تتمثل في تحسين مناخ الأعمال للمستثمرين وتدشين توسعات أكبر، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، فضلاً عن تحقيق وفر لصالح الموازنة العامة للدولة بمقدار يتراوح بين 10 إلى 15 مليار جنيه، وكذلك توفير حافز رئيس لسوق المال المصري ورفع نشاط الأسهم بالبورصة المصرية، إلى جانب ارتفاع الانتاجية ومعدلات النمو الاقتصادي نتيجة تحسن أداء الشركات والأسواق، بالإضافة إلى تنشيط القطاع الخاص عبر زيادة حجم التمويل الممنوح له.
ومن خلال الدراسة الاقتصادية المتأنية والواقعية لما ورد بهذا الإنفوجراف، ومع تحفظنا بداية على نظام سعر الفائدة، وإيماننا العميق بضرره؛ ليس على مستوى مصر فقط بل العالم أجمع، ولكن مع معايشة الواقع وعدم تجاوزه باعتباره أصبح حاليا أمرا مفروضا إلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا بوجود نظام عالمي يحل فيه الربح محل سعر الفائدة، فإنه يمكن القول إن خفض سعر الفائدة يعد خطوة جيدة ولكن في بيئة ذات بنية تشريعية سليمة، وحرية اقتصادية سائدة، وسلطة قضائية عادلة. ومن ثم، حينما ننظر لمبررات التشجيع لخفض سعر الفائدة في مصر والآثار المتوقعة من وراء ذلك ينبغي أن ننظر لها في ظل هذا الإطار.
سعر الفائدة يعد خطوة جيدة ولكن في بيئة ذات بنية تشريعية سليمة، وحرية اقتصادية سائدة، وسلطة قضائية عادلة. ومن ثم، حينما ننظر لمبررات التشجيع لخفض سعر الفائدة في مصر والآثار المتوقعة من وراء ذلك ينبغي أن ننظر لها في ظل هذا الإطار
فلو تطرقنا أولا إلى المبررات الثلاثة التي ذكرها الإنفوجراف لتشجيع خفض سعر الفائدة، سنجد الجمع بين المتناقضات في الواقع الذي يعيشه الناس. فالمبرر الأول (نخفاض معدل التضخم) هو قول يخالف الواقع، فكيف ينخفض التضخم ليسجل نسبة 8,7 في المئة في تموز/ يوليو 2019م، رغم ارتفاع سعر الكهرباء والوقود في ذات الشهر بنسب وصلت نحو 40 في المئة؟ ومن المعروف أن الوقود كسلعة وسيطة يدخل في كافة عمليات الإنتاج سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لذا فنسبة التضخم ينقصها الدقة. ومن يحدد سلة سلع المؤشر القياسي لأسعار المستهلكين هو من يتحكم في تلك النسبة، كما أن تغير سنة الأساس أيضا لا يمكن إغفاله، لا سيما بعد
تعويم الجنيه المصري وما ارتبط بذلك من ارتفاع ملحوظ في معدل التضخم.
أما المبرر الثاني (انخفاض معدل البطالة إلى 7,5 في المئة خلال الربع الثاني لعام 2019م)، فهو مؤشر غير حقيقي في ظل عدم وجود بدل بطالة يمكن من خلاله قياس نسبة البطالة، فضلا عن اعتبار العمالة الموسمية خارج إطار البطالة عند حساب معدل البطالة في مصر.
أما المبرر الثالث (ارتفاع معدل النمو ليصل إلى 5,6 في المئة عام 2018/ 2019م)، فإن هذا الارتفاع لا قيمة له كميا إلا بمعرفته نوعيا من حيث القطاعات الإنتاجية التي ساهمت في هذا النمو، وتأثير ذلك على المناطق الجغرافية المختلفة، وقدرته على خلق فرص عمل جديدة وخفض نسبة الفقر، وهو الشيء الذي يفتقده هيكل الاقتصاد المصري ولا يمكن تصوره في ظل عسكرة الاقتصاد.
لا مكان للقطاع الخاص في ظل عسكرة الاقتصاد إلا ذلك الجزء من القطاع الذي يمثله رجال أعمال لهم صلة ومنافع مع العسكر.
وإذا تطرقنا ثانيا وأخيرا إلى الآثار المتوقعة لخفض سعر الفائدة، فإن القول بأن ذلك سيؤدي إلى تحسين مناخ الأعمال للمستثمرين وتدشين توسعات أكبر، وبالتالي خلق فرص عمل جديدة، هو قول لا يبارح مكانه. فلا قيمة لخفض سعر الفائدة في ظل
سيطرة العسكر على الاقتصاد، وهو ما يعني موات أي حوافر للمستثمرين؛ لافتقاد قدرتهم على المنافسة سواء من حيث الجودة والسعر وكسب الأسواق، وانعدام العدالة بين الإنتاج العسكري للمنتجات المدنية والإنتاج المدني في ظل وفرة عناصر الإنتاج من أرض وعمل ورأس مال للعسكر بصورة مجانية في حين يدفع لها القطاع الخاص ثمن. ووفقا لمبدأ المزاحمة، فإنه لا مكان للقطاع الخاص في ظل عسكرة الاقتصاد إلا ذلك الجزء من القطاع الذي يمثله رجال أعمال لهم صلة و
منافع مع العسكر. ومن ثم، فإن تحسين مناخ الأعمال للمستثمرين وتدشين توسعات أكبر، وخلق فرص عمل جديدة، أو القول بتنشيط القطاع الخاص عبر زيادة حجم التمويل الممنوح له، لا يؤيده واقع ولا معطيات اقتصادية.
أما تحقيق وفر لصالح الموازنة العامة للدولة بمقدار يتراوح بين 10 إلى 15 مليار جنيه، فهذا أمر لا شك فيه في ظل اعتماد الدولة على سياسة الديون بلا تنمية، وهذا الأمر إن كان يمثل ميزة، فإنها ميزة تذوب وتتساقط ضمن سياسة كبرى
ورطت الجيل الحالي والأجيال المستقبلية في ديون لا قبل لهم بها لتمويل عجز الموازنة.
المتخصص في الاقتصاد خاصة، فضلا عن الشعب المصري بصفة عامة، لم تعد تغريهم إنفوجرافات تزيين الصورة والإقناع بالوهم
أما القول بتوفير حافز رئيس لسوق المال المصري ورفع نشاط الأسهم بالبورصة المصرية، إلى جانب ارتفاع الإنتاجية ومعدلات النمو الاقتصادي نتيجة تحسن أداء الشركات والأسواق، فهو قول عام متهافت، ولا يمكن قبوله في ظل سوق مال غير كفء كالسوق المصري، وفي ظل سعر فائدة باهظ التكاليف (15,25 في المئة) وخفض له لم يتعد 150 نقطة أساس.
إن المتخصص في الاقتصاد خاصة، فضلا عن الشعب المصري بصفة عامة، لم تعد تغريهم إنفوجرافات تزيين الصورة والإقناع بالوهم، فكما قال أبو تمام: السيف أصدق أنباء من الكتب. وسيف الواقع الاقتصادي المصري وما فيه من ضيق وفقر وضنك في المعيشة وهروب الاستثمار المباشر؛ أصدق أنباء من إنفوجراف رئاسة الوزراء.