مقالات مختارة

هل ديوننا آمنة؟!

عماد الدين حسين
1300x600
1300x600

هل الديون المصرية آمنة أم لا، خصوصا بعد تقرير وكالة موديز يوم الخميس الماضي؟!

تقول الأرقام إن هذا الدين بلغ 4.4 تريليون جنيه في نهاية كانون الأول/ديسمبر الماضي، وإن الدين المحلي العام ارتفع بنحو 692 مليار جنيه في عام 2018 بنسبة نمو 20% وإن 85.3% من هذا الدين مستحق على الحكومة، و8.3% على الهيئات الاقتصادية العامة، و6.4% على بنك الاستثمار القومي، علما أن الدين الخارجي بلغ 106 مليارات دولار، طبقا لبيانات البنك المركزي قبل أيام قليلة

نعود إلى السؤال الأول لنكتشف أن الإجابة تتوقف على موقف من يتطوع بها.

سألت وزير المالية د. محمد معيط، أكثر من مرة هذا السؤال، وفي كل مرة كان يؤكد أن الدين العام لا يزال في حد الأمان ولم يَتَخَطَّه.

الوزير قال أمام لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب في 11 كانون الأول/ديسمبر الماضي، إن نسبة الدين العام في 2017 بلغت 108% من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 2018 بلغت 8%، والمستهدف أن تصل في نهاية العام المالي الجاري إلى 92%، وأن تنخفض إلى 80% في 2020ــ2021.
يومها أيضا قال معيط إن مصر مرت بظروف صعبة جدا في السنوات الماضية، تسببت في ارتفاع خدمة الدين بالتزامن مع ضعف إيرادات الدولة، واستمرار العجز الأولي، وهو ما اضطر الدولة للاقتراض لسد العجز الأولي الخاص بالأكل والشرب وخدمة الدين وأقساطه. لكن هذا الأمر كما يضيف الوزير بدأ يتغير، ولأول مرة بدأت الحكومة في تحقيق فائض أولى، أي قبل احتساب الديون وأقساطها وفؤائدها، فكلما تحسنت الإدارة الائتمانية انخفضت معدلات الدين.

وجهة نظر الحكومة تقول دائما إن هيكل وتركيبة الديون المصرية آمنة لأسباب موضوعية، أهمها أن غالبية الديون متوسطة وطويلة الأجل، وليست قصيرة. ثم إن مصر تسدد ديونها وأقساطها وفوائدها بصورة منتظمة منذ سنوات، وهو ما يزيد من ثقة المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل العالمية في اقتصادها. وما لا يقال رسميا إن بعض الودائع الأجنبية لدول صديقة يمكن تأجيلها.

لكن كيف نعرف أن هذا الدين خصوصا الخارجي دخل مرحلة الخطر أم لا؟!

هناك أكثر من طريقة للوصول إلى الإجابة، منها نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي، وقد بلغت هذه النسبة في مصر 35.1%، على عهدة المركز المصري للدراسات الاقتصادية في ورقة بحثية صورت عنه قبل أيام. هذه النسبة تعني أن اقتصادنا يعتمد بصفة أساسية على الاقتراض الخارجي، ومن ثم تتحول أعباء سداد أقساط وفوائد الديون إلى مشكلة حقيقية. وفي موازنة 2017ــ 2018 فإن 35% من الإنفاق العام يذهب لسداد فاتورة الدين.

بصورة أخرى، فإن الاعتماد المستمر على النمو من خلال الاقتراض الخارجي، بدلا من النمو من خلال الإنتاج والاستثمارات الفعلية، سيتسبب في وصول الديون لمستويات لا يمكن تحملها، وهذا الاستنتاج على عهدة الورقة البحثية السابقة نفسها. هذه الورقة تقول إنه يمكن تفهم الاستدانة بسبب النمو السكاني المتزايد والمشروعات الضخمة، لكن القدرة على تحمل هذه الديون، تحتاج إلى زيادة الدخل الفعلي عبر الإنتاج والصادرات.

في هذا الأمر، هناك رأي مهم مصدره البنك الدولي يقول، إن الدين الخارجي كنسبة مئوية من صادرات السلع والخدمات والدخل، ارتفع من 74.5% عام 2010 إلى 190.25% عام 2017. وهذا هو معيار التقييم الأكثر أهمية، لأنه بمرور الوقت فإن إجمالي الديون ينمو بوتيرة أسرع من المصدر الأساسي للدخل الخارجي للاقتصاد، الأمر الذي قد يقود إلى صعوبة الوفاء بالتزامات الدين مستقبلا.

أما المعيار الذي تفضله بعض المصادر الحكومية، أي حساب الديون مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، فقد يكون غير دقيق. على سبيل المثال، فإن ديون أفغانستان تبلغ فقط 7% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا ليس مؤشرا جيدا كما يبدو من الوهلة الأولى، لأن اقتصادها في غاية الضغف، لكن النسبة نفسها حينما تكون في إستونيا، فهي تعني الاقتصاد القوي.

في روسيا النسبة 14% لكن اقتصادها ضعيف، والأمر نفسه في كوسوفو 20%، النسبة في اليابان 237% لكنها من أقوى الاقتصادات، وفي إيطاليا 130% واقتصادها من السبع الكبار، لكن عندما تكون النسبة نفسها في اليونان فالمسالة أخطر!!

إذا، هذا المعيار لا يقدم إجابة دقيقة بمفرده، بل يفترض أن يتم الدخول في بيانات تفصيلية أكثر تخص مجالات وقطاعات مختلفة في الاقتصاد، خصوصا الصادرات والاستثمارات الإنتاجية وتوفير فرص العمل المنتجة. والسؤال: هل علاج مشكلة تزايد الديون تكون عبر الرسوم والضرائب، أم بمعالجة جذور المشكلة؟!

 

عن صحيفة الشروق المصرية

0
التعليقات (0)