عندما يجري الحديث، هذه الأيام، عن صيغة جديدة لقانون أمريكي، طُرح العام 2017 ولم يصدر، في حينه، يحمل عنوان "منع زعزعة أمن العراق واستقراره"، فان أول ما يلفت الانتباه، ذلك الرعب، الذي اجتاح الأطراف الشيعية، التي أبدت جزعاً واضحاً في تصريحات تندد بواشنطن، وبيانات تدين إدارة الرئيس ترامب، برغم أن مشروع القانون الجديد ما زال فكرة، إذ تشير مصادر أمريكية إلى أن لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ستناقشه في الفصل التشريعي الحالي 2019، تمهيداً لعرضه على الكونغرس بغرفتيه (النواب والشيوخ)، ومن ثم استحصال موافقة الرئيس عليه، ليصبح نافذ المفعول، وفقاً للسياقات القانونية السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية.
انتصار أمريكي في العراق
وبرغم أن القانون الجديد، ما زال في طور الصياغة، ولا تُعرف نصوصه وماذا يتضمن من مواد وضوابط وشروط، إلا أن كثيراً من السياسيين العراقيين المحسوبين على إيران، تعاملوا مع انتشار خبر القانون، وكأنه صادر ومطبق، وخلط عدد منهم، بين قانون 2017، الذي لم ير النور، ومشروع القانون الجديد، الذي لم يُبحث بعد، وهذا يعني أن المتضررين من القانون عند تشريعه، تحسبوا، منذ الآن، للتعاطي معه، خصوصاً وأن الأوساط العراقية الميالة إلى واشنطن، نجحت في تسخين الأجواء السياسية، وتضخيم الأنباء عن القانون الموعود، الأمر الذي أقلق أحزاباً وكتلاً نيابية وقيادات مليشاوية، تعاملت مع الحدث، الذي لم يقع لحد الآن، وكأنه قادم لا محالة، وهذه أول مرة يسجل فيها الفريق الأمريكي في الساحة العراقية، انتصاراً سياسياً وإعلامياً على الفريق الإيراني، الذي لجأ لمداراة خوفه، أمام الكم الهائل من التقارير الإخبارية، التي لها صلة بالموضوع، إلى دعوة الحكومة والبرلمان، لمواجهة الأخطار المحتملة، التي يحملها قانون منع زعزعة أمن العراق واستقراره، في وقت التزمت حكومة عادل عبدالمهدي الصمت أزاء ذلك، وهو ما جعل نواباً شيعة معروف ارتباطهم بأحزاب ومليشيات خاضعة للحرس الثوري، وفيلق قدس الإيراني، إلى اتهام الحكومة بالضلوع في تنفيذ المخطط الأمريكي، وبدأ الشارع العراقي يسمع مفردات جديدة عن (الطاغوت) ترامب، والاستكبار العالمي، والانقلاب الأمريكي على الشيعة، حتى بلغ الأمر بالنائب كريم عليوي أحد قياديي تحالف (الفتح)، الذي يرأسه زعيم مليشيات بدر، هادي العامري، إلى دعوة البرلمان لعقد جلسة طارئة، للوقوف ضد تدخلات الكونغرس الأمريكي في الشأن العراقي، واستهداف الشخصيات (الوطنية) مؤكداً أن لدى تحالفه معلومات مؤكدة عن قوائم أمريكية جديدة، لمعاقبة كثير من العراقيين، حسب قوله.
بدأ الشارع العراقي يسمع مفردات جديدة عن (الطاغوت) ترامب، والاستكبار العالمي، والانقلاب الأمريكي على الشيعة
ومما زاد من مخاوف القيادات الشيعية، أن الأنباء، التي انتشرت عن القانون الأمريكي المرتقب، ترافقت مع تقرير نشره موقع (ديلي بيست) الأمريكي، عن تحقيقات تجريها وزارة العدل في واشنطن، مع شركة مقاولات عسكرية أمريكية، تدعى (ساليبوت) حصلت على عقود في العراق، ووفقاً لمصادر في الوزارة، فإن التحقيقات مع الشركة الأمريكية تدور لمعرفة ما إذا كانت الشركة قد لعبت دوراً في مزاعم تقديم الرشوة إلى مسؤولين عراقيين مقابل تسهيل عملها في تنفيذ عقود حصرية كلفتها ملايين الدولارات، وأبرزها، حصول الشركة على عقد من سلاح الجو الأمريكي في يناير 2014 لتوفير الخدمات في قاعدة (بلد) الجوية شمالي بغداد بمبلغ مليار ومئة مليون دولار، وقبل الشروع بتنفيذ المقاولة، أبرمت ساليبوت وفقاً لموقع (ديلي بيست) صفقة مع شركة تدعى (آفاق أم قصر للخدمات البحرية) أثار نشاطها انتباه محققي وزارة العدل، بصفتها تنفذ أعمالا من الباطن نيابة عن الشركة الأمريكية، ولكن المثير في القضية أن مصادر أبلغت الموقع، أن شركة آفاق تخضع لسيطرة رئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي، وأن ابنه أحمد وزوج ابنته ياسر صخيل، متورطان مع الشركة الأمريكية، وهناك تفاصيل نشرها الموقع المذكور، استناداً إلى مصادر في وزارة العدل الأمريكية، لسنا بصددها، ولكن المفارقة أن مكتب المالكي في بغداد، أصدر بياناً نفى فيه ما نشره الموقع الأمريكي، وقال في تصريح صحفي، إن الغرض مما نُشر هو (توريط شخصيات عراقية بملف العقوبات الأمريكية، التي يبدو أنها تستند إلى احتكار القوة وفرض الوصاية الدولية على حكومات وشخصيات سياسية مستقلة) ولام مكتب المالكي وسائل الإعلام المحلية، التي سارعت إلى نشر ما سمّاها المعلومات المغلوطة، ودعا الصحفيين العراقيين إلى مراجعته للإجابة عن استفساراتهم بهذا الصدد!
المالكي.. هدف أمريكي
وواضح أن ورود أسماء المالكي وابنه وزوج ابنته، ضمن التحقيقات الأمريكية، لم يأت صدفة، كما أن مكتب المالكي، لم يفند الاتهامات الموجهة إليه، ولم يكذّب سيطرته على شركة (آفاق)، التي لم يشر إليها بيانه على الإطلاق، علماً أن القناة الفضائية، التي يملكها حزب الدعوة برئاسة المالكي وتبث من بغداد، تحمل الاسم نفسه (آفاق) مما يوحي أن ثمة علاقة بين الاسم كـ(ماركة) استثمارية وعائلة رئيس الوزراء الأسبق.
وإذا تحققت مخاوف المالكي من زج اسمه في لائحة العقوبات الأمريكية، كما ألمح بيان مكتبه، فإن نتائج ذلك تقود إلى كشف رؤوس كثيرة وكبيرة، لعبت أدواراً خطيرة، في تدمير العراق، فالمالكي ليس شخصية عادية، فهو من أقطاب الشيعة في العراق، ورئيس حزب شيعي متطرف، وموال لإيران بالكامل، بالإضافة إلى أنه يعد اليوم واحدأً من أكبر الأثرياء في البلد، ويملك أصولاً وأرصدة وشركات وعقارات في داخل العراق وخارجه، وخصوصا في لبنان وأوروبا وإيران، لا تقدر بثمن، وسيكون من أكبر الخاسرين عند شموله بالعقوبات الأمريكية، وهو أيضاً ليس من النوع، الذي يستسلم بسهولة، ويمتلك قدرات هائلة، في إخفاء المعلومات، وترتيب الملفات، لذلك فإن نجاح العقوبات الأمريكية في ضمه إلى لائحتها، سيكون تطورا نوعيا، في سياق الحرب على الفساد في العراق، ويفتح الباب لمحاسبة حيتان ومافيات ومراجع شيعة، وقادة أحزاب ومليشيات، خصوصاً وأن القانون الأمريكي المتوقع صدوره في نهاية العام الحالي، يستند إلى قانون 2017 في أغلب مواده ـ كما تشير المصادر الأمريكية ـ ويربط في تفسيره لمنع زعزعة العراق، بين تشجيع العنف الطائفي، وتخريب الاقتصاد العراقي، وانتهاكات حقوق الانسان، وثلاثتها جمعها المالكي، خلال سنوات حكمه من (2006 ـ 2014).
إذا تحققت مخاوف المالكي من زج اسمه في لائحة العقوبات الأمريكية، كما ألمح بيان مكتبه، فإن نتائج ذلك تقود إلى كشف رؤوس كثيرة وكبيرة، لعبت أدواراً خطيرة، في تدمير العراق
هل نحن مضطرون للتعاطف مع إيران؟
الأنظمة العربية بين الخضوع لترامب وظُلم مسلمي الأويغور!