الحديث عن الحشد الشعبيّ في
العراق من الملفّات الحساسة، لأنّ العديد من الأطراف والقوى المُنتفعة من هذا الكيان ترفض، وبشدّة، الاقتراب من توصيف هذه القوّات بالمليشيات!
والحشد مجموعة
مليشيات، شُكّلت بموجب فتوى الجهاد الكفائي الصادرة عن المرجعيّة الشيعيّة! ومن ساعتها صار للمليشيات غير الشرعيّة غطاء دينيّاً!
وبعدها بقيت المجاميع (القديمة والجديدة) لسنوات عديدة خارج إطار القوّات المسلّحة الرسميّة، ثمّ تمّت عمليّة ليّ الدستور، والتصويت برلمانيّاً على إدخال تلك المليشيات في إطار رسميّ (هيئة الحشد الشعبيّ)، وهذا لا يتّفق مع الدستور المانع "لتشكيل أيّ مليشيا خارج إطار القوّات المسلّحة العراقيّة"، وكلّ من يقول خلاف ذلك فهو يُناقض الدستور!
يردّد المدافعون عن الحشد أنّ "البلاد كانت في مرحلة ما بعد 2014 في حالة فوضى، وبحاجة إلى قوّات داعمة للجيش الحكوميّ المُنهار في الموصل والأنبار وغيرهما من المدن"!
ونحن يمكننا قبول هذه الحجّة في المراحل الماضية، أمّا بعد إعلان حكومة حيدر العبادي السابقة (النصر)، وتأكيدها على إعادة انتشار سلاح الدولة في كافّة المدن، يجب العودة لذات النقطة وهي: هل هنالك اليوم حاجة حقيقيّة لبقاء الحشد؟
تمارس غالبيّة المليشيات الآن دور الحكومة، والأجهزة الأمنيّة، وقد حدّثني بعض المرشحين للانتخابات البرلمانيّة الأخيرة أنّهم ذهبوا إلى محافظاتهم (ومنها ديالى والموصل وغيرهما) بحمايات من بعض فصائل الحشد مدفوعة الثمن، عشرات آلاف الدولارات، وعليه صارت هذه الفصائل (الجهاديّة) تقوم بدور شركات الحمايات الخاصّة بالمسؤولين، وأصبحت باباً واسعاً لاسترزاق كبار زعماء "المجاهدين"!
وحتّى اللحظة لا أحد يعرف أعداد منتسبي الحشد الحقيقيّة، وهنالك من يقول إنّهم أكثر من 300 ألف مقاتل، وربّما هم أكثر، أو أقلّ!
وفي 25 أيار/ مايو 2019، هاجم حيدر العبادي قيادات في الحشد، مؤكّداً أنّهم "جمعوا ثروات على حساب المال العامّ في ظروف غامضة"!
ويوم الاثنين الماضي
أصدر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي؛ قراراً بضمّ كافة تشكيلات الحشد إلى القوات المسلّحة، وإغلاق مقرّاتهم، سواء داخل المدن، أو خارجها، وقطع أيّ ارتباط لها مع أيّ تنظيم سياسيّ.
وهذا القرار (المتأخّر جداً) فيه تمتين لحالة الحشد، وإن بدا في ظاهره على أنّه تحجيم لدورهم، وفيه ترسيخ لانعدام التوازن الوظيفيّ المفقود أصلاً بين المكوّنات العراقيّة في المؤسّسات العسكريّة، عبر دمجها بالجيش!
الشخصيات الداعمة للحشد ضربت ضربتها السياسيّة عبر بوّابة "الجهاد"، ولاحظنا أنّهم خلعوا بزاتهم العسكريّة، ودخلوا بعباءة الحشد في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، وتربعوا على مقاعد البرلمان، وهم يملكون اليوم (مجتمعين) أكثر من نصف المقاعد، وبهذا فهم استغلّوا (ونجحوا) قضية الحشد لتحقيق مكاسب حزبيّة، وربّما طائفيّة وشخصيّة على حساب قضيّة العراق المركزيّة، وهي ضرورة بناء دولة المواطنة!
فكيف يطالبهم المهدي بقطع أيّ ارتباط لهم مع أيّ تنظيم سياسيّ؟
وقبل الأمر الحكومي، كان الناطقون باسم الحشد يقولون إنّهم ينفّذون أوامر القائد العام للقوّات المسلّحة (المهدي)، واليوم غالبيّتهم يعارضونه، وكأنّهم كانوا يريدون عبور مرحلة إلى مرحلة أخرى مخطّط لها بعناية!
وسبق لنائب هيئة الحشد "أبو مهدي المهندس" أن قال: "كلّ من يفكّر بحلّ الحشد فليذهب بفكرته إلى القبر"!
فكيف يمكن الخلاص من هذه الأحجيّة؟
تخليص العراق من المليشيات لا يكون إلا بفتوى جديدة من المراجع الشيعيّة التي أفتت ابتداء بتأسيسها، ثمّ بعد ذلك بقرار رسميّ برلمانيّ وحكوميّ، وعدا ذلك،
فالحديث عن بناء بسط هيبة الدولة مجرّد خدعة!
مبرّرات فتوى الحشد، واستمراره انتهت، ولهذا فإنّ بقاء الحشد في المشهدين السياسيّ والأمنيّ وحتى الاجتماعيّ والاقتصاديّ له تكاليف طويلة الأمد، وسيكون السوسة الآكلة لبناء الدولة، وللمنظومة الأمنيّة، ومن يقول بخلاف هذا الكلام عليه أن يحدثنا بالمنطق الواقعيّ والعسكريّ!
تمثّل المليشيات (في أيّ بلد) صورة من صور الرعب والترهيب، ولا ندري هل وجود المليشيات في العراق من متطلّبات الديمقراطيّة، ولا تتعارض معها!
خلاصة القول:
لا ندري منْ سيُنهي منْ!
هل رئيس الحكومة سيُنهي المليشيات، أم أنّ المليشيات ستُنهي المهدي؟