رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان هلل لفوزه قبل
أسابيع، واستبشر بارتفاع نجمه السياسي مجددا بعد أن كان على شفا السقوط في مستنقع
فساده.. لم يخطر بباله ولا في أسوأ كوابيسه أن يعود بعد أسابيع إلى نقطة الصفر من
جديد، عبر الذهاب إلى انتخابات جديدة بعد فشله في تشكيل الحكومة، هربا من تكليف
رئيس حزب «أبيض أزرق» (كحول لفان) بني غنيتس تشكيل الحكومة، وبالتالي القضاء التام
على مستقبله السياسي وربما الزج به في السجن.
وجد
نتنياهو نفسه محاصرا في زاوية ضيقة، فبدأ يتصرف كوحش مصاب يكيل الاتهامات
والتهديدات في مختلف الاتجاهات خاصة لمن أسماهم بالمتآمرين وعلى رأسهم أفيغدور
ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، الذي كان حائط الصد المنيع أمام نتنياهو خلال
الفترة الممنوحة له لتشكيل الحكومة.
علاقة
نتنياهو بليبرمان بدأت على قاعدة المصالح المشتركة ويبدو أنها ستنتهي على قاعدة
تنافر هذه المصالح وتفتتها.
بداية
العلاقة بينهما بدأت في نهاية الثمانينيات عندما كان نتنياهو سفيرا لإسرائيل في الولايات
المتحدة وليبرمان النجم الصاعد بقوة في «الليكود».. حينها جمعهما صديق مشترك وأوصى
نتنياهو بتوطيد علاقاته مع ليبرمان ليكون رافعة له لدخوله مكتب رئيس الحكومة..
وبالتالي يعتبر ليبرمان أن الفضل يعود إليه في وصول نتنياهو لرئاسة الوزراء بعد
اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحق رابين.
نتنياهو
الديكتاتور الصغير، قرر التخلص من ليبرمان بعد أن أثقله بمطالب صعبة التحقق
والاعتراض على سياساته على أكثر من صعيد، ومن بينها العلاقات مع حركة حماس والوضع
في قطاع غزة بشكل عام.. والإصرار على تجنيد طلبة المعاهد الدينية اليهودية، وكانت
خطته تفتيت حزب «إسرائيل بيتنا»، وهذا ما أثار ليبرمان، فقرر الانتقام من شريكه
وإخراجه من المشهد السياسي الإسرائيلي .. على قاعدة أنه من أدخله إليه سابقا
وسينهيه اليوم.
العنف
لم يقتصر على الجانب السياسي، فقد امتد إلى محاولات الاغتيال الشخصي. وعليه تعمد
نتنياهو الهجوم بشراسة على ليبرمان واتهامه علنا بأنه شخص يساري يهدف إلى تدمير
اليمين الإسرائيلي... أما ليبرمان فرد بالمثل، وما زالت الحرب الشخصية بين الاثنين
قائمة.
نتنياهو
الغارق بملفات الفساد ضاعت منه فرصة تشريع قوانين تحميه من المحاكمة وإضعاف السلطة
القضائية المزعجة.. عاد اليوم إلى المربع الأول في قفص الاتهام، ما يعني احتمال
سقوطه السياسي بالضربة القاضية.
المشهد
السياسي والحزبي الإسرائيلي يبدو قاتما في ظل العنف السياسي والشخصي ليس فقط بين
الثنائي نتنياهو ليبرمان، بل بين كثير من القيادات الإسرائيلية، لكن السؤال
المطروح يبقى: هل ستؤثر الانتخابات المقبلة في أيلول على الخارطة الحزبية القائمة.
استطلاعات
الرأي التي أجريت خلال اليومين الماضيين تشير إلى أن اليمين الإسرائيلي سيعزز
صفوفه فيما ستكون الخسارة من نصيب أحزاب اليسار والوسط، وأن أكبر الخاسرين سيكون
حزب العمل الذي ربما لن يتمكن من اجتياز نسبة الحسم في الانتخابات المقبلة.
الليكود الذي سيعيد كحلون إلى صفوفه سيرتفع مقعدين، وإذا ما انضمت إليه إيليت
شاكيد فسيرتفع عدد مقاعده إلى 41 مقعدا.. أما حزب «إسرائيل بيتنا» فقد يرفع مقاعده
بأربعة إضافية على حساب حزبي «شاس» و»أبيض أزرق» الذي سيخسر مقعدين ليصبح عدد
مقاعده 33 مقعدا.. أما الأحزاب العربية فستخسر مقعدين على الأقل في حال استمرار
الانفصال بينها.
ربما
سيحصل حزب اليمين الجديد برئاسة شكيد ونفتالي على 5 مقاعد بعدما فشل في اجتياز
نسبة الحسم في الانتخابات السابقة. وبناء على ذلك فإن اليمين الإسرائيلي سيعزز
صفوفه وسيحصل على 72 مقعدا، فيما سيضعف الوسط واليسار وسيحصل فقط على 48 مقعدا، ما
يتيح لنتنياهو تشكيل حكومة راسخة من أحزاب اليمين واليمين المتطرف.
هذا
السيناريو الأكثر احتمالا إلا إذا حصل تغير دراماتيكي وتم تقديم لائحة اتهام رسمية
ضد نتنياهو. وقتها سيحتدم الصراع بين قيادات الليكود حول الزعامة؟ أما بالنسبة
لفلسطينيي الداخل فإن الخسارة محتملة إلا إذا تمت إعادة بناء التحالف الواسع
واستنهاض الجماهير الفلسطينية، وتخلى البعض عن مصالحهم الشخصية الضيقة، وقتها ربما
يعود الوضع إلى سابق عهده في الانتخابات قبل الأخيرة.
على
الصعيد الفلسطيني لا شيء سيتغير في ظل استمرار حكم اليمين مع تواصل الاستيطان وفرض
سياسة الأمر الواقع والفصل العنصري. والمؤكد هنا هو دفن حل الدولتين، وليس الإعلان
عن موت الفكرة فقط.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية