كتاب عربي 21

عن "الكتلة التاريخية" و"التكامل الإقليمي"

1300x600

في ظل انسداد الأفق السياسي في العالم العربي واستمرار الصراعات والحروب في هذه المنطقة وعليها وحولها، تنشط بعض المؤسسات الفكرية والبحثية في العمل من أجل فتح كوة في الجدار القاسي، وفي هذا الإطار أعادت مؤسسة "المفكر الدكتور محمد عابد الجابري" في المغرب النقاش حول "مفهوم الكتلة التاريخية"، ومدى الحاجة إليها اليوم لمواجهة التحديات المختلفة في العالم العربي، في حين يستمر عدد من المفكرين والناشطين من دول عربية وإسلامية مختلفة في الدعوة إلى "التكامل والتعاون الإقليمي" لمعالجة الأزمات والحروب والصراعات والبحث عن حلول للواقع الصعب في دول المنطقة .

فما هي حصيلة هذه اللقاءات الفكرية والحوارية في المغرب والمشرق؟ وهل ستنجح هذه الجهود الفكرية والعلمية والمجتمعية في إشعال نقطة ضوء في هذا الليل المظلم الذي يحيط بنا جميعا؟

 

مشروع "الكتلة التاريخية"


بداية ماذا عن مشروع "الكتلة التاريخية" وندوة "مؤسسة الدكتور محمد عابد الجابري" في المغرب والتي عقدت في أواخر شهر نيسان (أبريل) الماضي؟

من المعروف أن مفهوم "الكتلة التاريخية" هو من اختراع المفكر الشيوعي الإيطالي أنطونيو غرامشي  وجرى نقله إلى العالم العربي عبر المفكر الدكتور محمد عابد الجابري وتبناه مؤسس مركز دراسات الوحدة العربية الدكتور خير الدين حسيب، وهو يقوم على تجميع كل القوى الأساسية في أي مجتمع لمواجهة التحديات الكبرى وخصوصا الاحتلال الخارجي أو الأوضاع الاجتماعية الصعبة، وجرى تطبيقه في العديد من دول العالم في أمريكا اللاتينية وآسيا .

 

الفكرة بسيطة جداً وتقوم على ضرورة تلاقي تيارات الأمّة حول ثوابتها وإطلاق آليات العمل المشترك بينها على قاعدة "نعمل معاً على ما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف عليه".


وانطلاقا من ذلك تبنى الدكتور خير الدين حسيب والمؤتمر القومي العربي الدعوة لتلاقي كل التيارات العربية ولا سيما القوى القومية والإسلامية، وتم تأسيس المؤتمر القومي ـ الإسلامي والمصالحة بين هذه التيارات، لكن بعد الربيع العربي واجهت هذه القوى العديد من المشاكل والخلافات ولا تزال تتخبط في الصراعات فيما بينها، ولم يتم الاستفادة من الربيع العربي، بل لا تزال الانعكاسات السلبية لما جرى في عدد من الدول العربية تحيط بنا.

وفي الندوة التي عقدتها "مؤسسة الدكتور محمد عابد الجباري" حول "الكتلة التاريخية" التقى عشرات المفكرين والناشطين العرب من قوميين وحدويين وإسلاميين ويساريين وعروبيين وليبراليين ليتدارسوا سبل استئناف مشروع بناء الكتلة التاريخية التي تحدث عنها الجابري منذ ثمانينيات القرن الماضي، وتبنى الدعوة إليها المشروع النهضوي العربي، الصادر في 22 شباط (فبراير) 2010 عن مركز دراسات الوحدة العربية، وما ارتبط به وتبناه من مؤتمرات ومؤسسات.

الفكرة بسيطة جداً وتقوم على ضرورة تلاقي تيارات الأمّة حول ثوابتها وإطلاق آليات العمل المشترك بينها على قاعدة "نعمل معاً على ما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضاً فيما نختلف عليه".

وقد جرى التوافق على ضرورة أن تقوم التيارات جميعاً بمراجعة شجاعة لتجربة كل منها في علاقتها بالتيار الآخر فتسعى إلى تجنب ما انتابها من سلبيات وتطوير ما برز منها من إيجابيات وإلى تحرير كل الصراعات من البعد الأيديولوجي لأنه في كل معسكر سياسي نجد أطرافا متنوعة المشارب والانتماءات العقائدية.

وهذه الأجواء تشكل فرصة جديدة للبحث حول آفاق التعاون بين كل التيارات الفكرية والسياسية وإن كانت الوقائع على الأرض لا تنبىء بنتائج عملية سريعة.

 

فكرة التعاون والتكامل الإقليمي

وأما بشأن "التعاون والتكامل الإقليمي" فالجهود مستمرة من قبل عدد من المفكرين والناشطين (وأبرزهم الدكتور عبد الحسين شعبان والأستاذ سعد محيو) لبلورة هذا المشروع، وفي هذا الإطار يعقد في لبنان في 10 و11 من شهر أيار (مايو) الحالي المؤتمر الثاني لمنتدى التكامل الإقليمي، بعد أن عقد المؤتمر الأول في تونس، وسيتم خلال هذا المؤتمر انتخاب الهيئات القيادية ووضع برامج عمل للمرحلة المقبلة وإصدار بيان تأسيسي جديد بعد مراجعة البيانات الأولى، ويأمل المشاركون أن يستطيعوا إعادة تفعيل هذا المشروع وتحويله إلى خطة عملية في المرحلة المقبلة.

وبموازة ذلك يستكمل الأستاذ أنيس نقاش مع عدد من الناشطين والمفكرين العمل لاطلاق ما سمي "مجلس السلم والتعاون الإقليمي"، وقد أجريت الاتصالات بالعديد من الجهات السياسية والحزبية في عدد من الدول العربية وإيران وتركيا، ويتوقع أن يعقد المؤتمر التأسيسي للمجلس في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل في بغداد، على أن يتم خلال الأشهر المقبلة استكمال الاتصالات بمراكز الدراسات والأبحاث والمؤسسات الإعلامية ورجال الأعمال كي تتبنى المشروع .

وبانتظار أن تتحول كل هذه الأفكار والمشاريع إلى خطوات عملية وتقدّم علاجات حقيقية للأزمات التي نعاني منها في عالمنا العربي والإسلامي، فإنه لا يمكن إلا الدعاء ودعم أية خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، لكن المهم وضع خارطة طريق صحيحة وواقعية كي نحقق الأهداف المطلوبة، كي لا نصاب بالإحباط واليأس مما نعاني منه من أزمات متنوعة.