أبدى ملايين الجزائريين في مسيرات الجمعة التاسعة رفضا قاطعا للمشاورات التي أعلن عنها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح مع 100 شخصية وطنية وحزبية بشأن “توفير شروط النزاهة لرئاسيات 4 جويلية القادم”، باعتبارها هروبا إلى الأمام والتفافا على مطلبهم بالتغيير الجذري للنظام ورحيلِ رموزه جميعا.
أكثر اللافتات دلالة حُملت في البريد المركزي وتقول: “من دخل دار بن صالح فهو خائن”. وتحمل هذه العبارة تحذيرا جدّيا وصارما إلى كل الشخصيات والأحزاب المدعوّة إلى “المشاورات”، مفاده أن من يشارك منكم فيها ويحاول نجدة هذا النظام ويسعى إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية القادمة أو يزكِّيها، فسيعدُّه الشعب خائنا ويضعه في خانة المغضوب عليهم، وسيعرف كيف يعاقبه حينما يحقق هدفه الأول من ثورته السلمية، وهو تغيير الحكم وإقامة ديمقراطية حقيقية، يختار فيها حكامَه مستقبلا بكل حرية ونزاهة؛ إذ ستكون الأحزابُ المشارِكة في مشاورات بن صالح هي أوّل ضحايا المرحلة المقبلة عن طريق صندوق الانتخاب وحده، ولا شكّ في أن أيّ حزب تحظى قيادته بقدرٍ من الحكمة وحسن التصرّف، لن يُقدم على حرق أوراقه مع الشعب من أجل سلطة متهالكة آيلة إلى السقوط حتما.
مشكلة السلطة القائمة أنها لا تزال تتشبّث بالحكم بشكل مَرضي، برغم أن نتيجة تسعة “استفتاءات” كاملة جرت في الشارع منذ 22 فبراير إلى الآن، كانت كلها ضدّها، ونزعت عنها بالإجماع كل شرعية، وطالبت برحيلها بشكل واضح ليس فيه أيّ لبس أو قابلية للتأويل، والمفترَض أن تستجيب للشعب صاحب السيادة وتنظّم انسحابَها بسلام، بعد التفاوض مع شخصيات مستقلة ومعارضة ذات كفاءة ونزاهة وتحظى بالقبول الشعبي، على انتقال ديمقراطي وسلس يبدأ بتشكيل هيئة رئاسية مستقلة تسيّر المرحلة الانتقالية. لكن عوض ذلك، تصرّ السلطة على تنظيم مشاورات فارغة بشأن “ضمان نزاهة رئاسيات 4 جويلية”، وهي بذلك تشبه من يقدّم خبزا لشخص بلغ به العطشُ مبلغا عظيما؛ الشعبُ يطالب بذهاب رموز النظام وبناء جمهورية جديدة قوامها الديمقراطية والحريات والعدالة والنزاهة والعيش الكريم، والسلطة تصرّ على إبقاء رموزها في الحكم بأيّ وسيلة وفي مقدِّمتهم بن صالح، وإجراء “مشاورات” مائعة مع أحزاب وشخصيات وطنية حول انتخابات مرفوضة شعبيا، قصد تحضير بديل من رجال الحكم لبوتفليقة، لضمان خلودها في الحكم رغما عن الشعب برمّته!
حلّ الأمر الواقع الذي تحاول السلطة فرضَه على الشعب؛ أي رئيس آخر من رجالها في جويلية القادم، يعني أنّ الأزمة ستزداد استفحالا وتعفّنا وخطورة، لأن الحراك لن يتوقف والشعبُ مصرٌّ على استعادة حقه في اختيار حكامه وعزلهم مهما كلّفه الأمر، ولن يقبل بأيّ مناورة أو احتيال أو استبدال زيد بعمرو خارج إرادته. لقد أبدى الشعبُ رفضه القاطع لهذه الانتخابات ولبقاء رموز النظام وأصبح يفرض حظر تجوال حقيقي على حكومة بدوي، ويطرد وزراءَها من شتى الولايات التي يزورونها، وإذا لم تفهم السلطة الرسالة وأصرّت على تنظيم رئاسيات شكلية لا يشارك فيها الشعب، فلن يستطيع رجالُها تنظيم حملة انتخابية لمرشحها، وسيُطردون من كل مكان يحلّون به، ولن ينعم الرئيسُ القادم بالحكم، والأيام ستُثبت صحّة ما نقول.
عن صحيفة الشروق الجزائرية