قضايا وآراء

من الإسلاموفوبيا إلى معاداة الإسلام.. لماذا؟

1300x600
لم تكن تغريدة عضو الكونجرس المسلمة إلهان عمر التي واجهت ترامب بحقيقته المعادية للإسلام، فأثارت عاصفة من تعليقات عنصرية لم تكتف بالسخرية من أصلها وديانتها، إلا القشة التي قصمت ظهر البعير. فالرئيس الأمريكي يقود منذ مجيئه تحالفا كبيرا من القوميين المتطرفين والمناهضين للإسلام، ولم يكن خطابه في الرياض العدائي للمسلمين ولا اعترافه بالقدس إلا غيضا من فيض. إنها ليست أفعال رئيس تيار شعبوي موتور يعيش على الكراهية والعداء والتحريض فحسب، بل هي مع الأسف سمة كامنة في مساقات الحضارة الغربية، التي شهدت زيادة هائلة في كراهية الإسلام على مدى العقود الماضية، منذرة بتحولها من مجرد التخويف من الإسلام إلى معاداته علنا، بعدما كانت تفوض الأنظمة التابعة لها بأداء هذه المهمة.

الغرب منذ قرون استمد صورته الذهنية عن الإسلام من خلال الاحتكاك العنيف الذي طبع تاريخ العلاقة بين الإسلام والغرب في القرون الوسطى وإلى نهاية الحروب الصليبية، وكانت النظرة إلى الإسلام (وقتئذ وعلى شتى المستويات) مفعمةً بالخيالات الموغلة في التهويل أو التهوين أو التشويه، وشُحن ذلك التصور المتوارث بأفكار سلبية وصور نمطية موغلة في الازدراء والاستخفاف بالإسلام، وهي الصور التي عادت (ولا تزال عفيةً) لتزكي نزعة الاستعلاء التي تسم الإسلام بالتخلف والإرهاب.

لكن.. لماذا يعادون الإسلام؟

أولا: قدرة الإسلام الذاتية على التمكن من الانتشار بين الأنام، وقابليته للتنامي بسرعة مذهلة، جعل الغربيين يعترفون بأنه دين قادم كاسح لمنظومتهم. يقول جون إسبوزيتو" إن النجاح والتوسع الكبيرين كانا بمثابة التحدي للغرب على المستوى الديني والسياسي والثقافي، وشكل تهديداً للغرب المسيحي. وكل من الإسلام والمسيحية لديه شعورٌ برسالة ومهمة عالمية، ولذلك كان محتماً أن يؤدي ذلك إلى المواجهة".

ثانيا: كون الإسلام دينا مقاوما للاستبداد ونازعا الملك من الطواغيت، الذين غالبا ما يكونون حلفاءهم، ويسوي بين المواطنين ولا تفاضل إلا بالتقوى.

ثالثا: وجود أحزاب وجماعات وحركات انطلقت من الدين ضد المشروع الاستيطاني الصهيوني، مثل حركات الجهاد وحماس وغيرهما.

رابعا: الوجود الإسلامي المكثف بالدول الغربية والهجرات المتدفقة (لا سيما عقب ثورات الربيع العربي) دفع إلى الاعتقاد بأن ذلك يشكل تهديداً محتملاً على مستوى التركيب السكاني لمنظومة الغرب (الأورو/ أمريكي).

خامسا: تصور الإسلام عن مركزية الإنسان: يشي الفكر الإسلامي والمنجز التراثي المتسق مع الوحي بملامح مميزة لصورة الإنسان، ومكانته في الرؤية الكلية للكون، بشكل مختلف عن الرؤية الغربية، من منظومة قيمه العليا (العمران والتزكية والتوحيد)، ودوره الاستخلافي الذي كرمه الله به، وهدفه في هذا العالم، فجاءت هذه الصورة على مسافة واضحة تفصله عن المتعالي المتجاوز، على حد تعبير المسيري، ما يمنحه الحرية المسؤولة، ولكنّه يشترك مع الكائنات الأخرى في بعده المادي، ما أسماه عبد المجيد النجار بوحدة التكوين، بما يجعله مهيأ عقديا لعمل كل تعمير ونماء وازدهار.

سادسا: كمون رسالة الاستخلاف والتعمير فيه: والقيام مقام الوكيل في تنفيذ أمره، هو كل ما يُعمّر وتُبنى به الأرض، وكل ما يوفر ضرورياتِ الحياة، وحاجياتها، ويحسنها بالعلمِ والفلاحة، وبالصناعةِ والتجارة، ووفرة الأعمال، وعموم الحرية والأمان؛ وهذا هو التمدنُ بمعناه العام، أو هو "عمران العالم". وقد ذكر في القرآن لفظ الاستخلاف ست مرات، وورد في ألفاظ "خليفة، خلفاء، خلائف" تسع مرات لتأكيد على هذا المقصد. وكما في الحديث، "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون" (رواه مسلم)، وهو ما يمنح الإنسان المسلم مركزية على هذا العالم لتعميره.

سابعا: ارتباط الإيمان بالعمل: يعتقد كل مسلم أن السعادة في الآخرة والنجاح في الدنيا موقوفان على العمل.. الجنَّة في الآخرة ليست جزاءً لأهل البطالة، والكسل، والفراغ، بل هي لأهل الجدِّ والعمل والإتقان، (وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، فالإيمان أعظم دافع للعمل والإنتاج.

ثامنا: احتواء الدين على قيم التمدن، ومنها قيمة الوقت.. يُسأل المسلم عن عمره فيمَ أفناه؟ وعن شبابه فيمَ أبلاه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ فالوقت نعمة كبرى، يجب أن تُشكر بالانتفاع بها، وينبغي ألا تُكفر بالتفريط فيها. الزمن لهذا الإنسان الضعيف الذي هو في حقيقته زمن. قال تعالى: "وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .

- العلم: يدعو الإسلام إلى العلم الشامل للجانبين الديني والمادي، ولا بد أن يكون نافعا ولا يخلو من فائدة. ومقياس النفع في التصور الإسلامي هو لصالح الأمة وكما بالحديث "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (رواه ابن ماجه).

تاسعا: تمييز الإسلام لأمة طه، فقد وصفت الأمة بالشهود فهي أمة شاهدة. حوّل الإسلام بمثله وقيمه الكبرى مجتمع الجزيرة العربية البدوي الواهن الجاهلي المتخلف إلي مجتمع ناهض ذي رسالة حضارية، لتكون شاهدة على العالمين "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ" (البقرة: 143)، لتكون شاهدا بما أودعها الله على ذلك خيرا وجعل الخير فيها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره". والرسالة ذاتها سارية في كل عصر ومصر..

ولذا أعجبتني تغريدة إلهان عمر، النائبة المسلمة، ردّا على اتهام ترامب لها بمعاداة السامية، بالقول مبتسمة: الله أكبر.