شهدت مدينتا سوتشي ووارسو في شرق العالم وغربه، مؤتمرين بارزين في وقت واحد، خلال الأيام الماضية، أعادا إلى الأذهان تموضع المعسكرين الشرقي والغربي إبان الحرب الباردة، وتبدلاته اللاحقة جغرافيا وسياسيا وأمنيا، فوارسو بعد أن كانت عنوانا للمعسكر الشرقي وحلفه الشهير، أصبحت اليوم في جبهة معاكسة، تمثل الجغرافيا التي تنتمي إليها وإيديولوجيتها الغربية، وليس الإيديولوجيا الشيوعية الشرقية.
بين جبهتين متناقضتين
في المؤتمرين، كانت إيران حاضرة بقوة في جبهتين متناقضتين، فبينما كان يناقش مؤتمر وارسو نظريا سبل مواجهة إيران وتحجيم أو إنهاء برنامجها الصاروخي ودورها الإقليمي، وبالذات في سوريا، بحكم قربها من الأراضي المحتلة، كانت طهران حاضرة في قمة سوتشي، لتثبت حضورها الإقليمي وتناقش مع روسيا وتركيا ما بعد الانسحاب الأمريكي ومختلف الأوضاع الميدانية والسياسية في الأراضي السورية، كأنها أرادت أن تقول للمؤتمرين في وارسو، إنها غير معنية بمداولات اجتماعاتهم والتهديدات الأمريكية والإسرائيلية الصادرة عنها، وستواصل طريقها.
إقرأ أيضا: وارسو ينطلق وسط مقاطعة روسية وفتور أوروبي وحماسة عربية إسرائيلية
لا شك أن مؤتمر وارسو يعكس مساعي واشنطن الحثيثة لحشد أكبر قدر ممكن من الحلفاء في مواجهة طهران، وأنه يشكل ضغطا أمريكيا إضافيا عليها، وقد يؤسس لمرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين وحلفائهما، تختلف عن سابقاتها، إلا أنه لا يبدو أن نتائج المؤتمر حققت كل ما كانت تبتغيه الإدارة الأمريكية، فأولا هي لم تفلح في إيجاد إجماع عالمي مطلوب ضد إيران، يضاف كعنصر هام إلى إستراتيجية "الضغوط القصوى"، حيث رفضت قوى إقليمية ودولية كتركيا والصين وروسيا المشاركة فيه، والأخيرتان شركاء الصفقة النووية، والشركاء الأوروبيون للاتفاق أيضا لم يشاركوا على مستوى وزراء الخارجية، وهذا هو الحال بالنسبة لفرنسا وألمانيا، وأما بريطانيا التي شارك وزير خارجيتها "جيرمي هانت" في المؤتمر، عزت ذلك إلى حضور اجتماع على هامشه لبحث النزاع اليمني. ووزيرة الخارجية الأوروبية "كاترين أشتون" أيضا رفضت المشاركة في المؤتمر.
وثانيا إن وقائع الاجتماعات وتصريحات المحاضرين وبنود البيان الختامي، تؤكد أنها بالمجمل عبارة عن جولة أخرى من التهديد والوعيد بلغة أكثر حدة تجاه إيران، لم ترتق إلى تبني خطط مدونة وبرامج عملية لتنفيذ تلك التهديدات، أقلها أنه لم يكشف عنها. وحديث وزير الخارجية الأمريكي "مايك بومبيو" عقب المؤتمر أن بلاده ستعمل خلال الفترة المقبلة على وضع تصور حول طريقة وقف النفوذ الإقليمي الإيراني، يؤشر إلى أن مؤتمر وارسو لم يتوصل إلى نتيجة عملية بهذا الخصوص، وأنها أوكلت إلى مقبل الأيام.
إقرأ أيضا: مقايضة وارسو: مواجهة ايران مقابل دعم «صفقة القرن»؟
مع ذلك، ولو افترضنا أن المؤتمر قد حقق المنشود الأمريكي بخلقه إجماعا عالميا ضد إيران للتحرك ضدها، فعلى أرض الواقع لا يحدث ذلك تغييرا في قناعات طهران، حيث من المستبعد أن يدفعها خلال المرحلة المقبلة إلى التفاوض والرضوخ للمطالب الأمريكية الـ 12 التي كشف عنها مايك بومبيو في 21 أيار (مايو) 2018، بعيد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، وعلى رأس تلك القائمة تعديل الاتفاق النووي، وإنهاء دور إيران الإقليمي وبرنامجها الصاروخي.
وذلك لأن القيادة الإيرانية ترى أن السياسة الأمريكية الراهنة، إن لم تهدف إلى تغيير النظام الإيراني، فإنها تريد إفراغه من المضمون، وأنه في نهاية المطاف، المطالب لن تتوقف عن الـ 12 المذكورة "التعجيزية"، لذلك هي على قناعة أن الدخول في أي تفاوض يعني بالضرورة الولوج في نفق تنازلات "مؤلمة"، لا نهاية له، دون أي مقابل، وهذا ما أكد عليه الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل عدة أيام.
النجاح الأبرز لمؤتمر وارسو تمثل في الوصول بالتطبيع بين إسرائيل ودول خليجية إلى فصولها الأخيرة
المفكرون الصهاينة وفوبيا ديموغرافيا الدولة الواحدة