قضايا وآراء

ما الذي حدا بحماس إلى رفض المنحة القطرية؟

1300x600

أعلنت حركة المقاومة الإسلامية حماس عن رفضها استلام الدفعة الثالثة من المنحة القطرية التي كان يفترض أن يقدمها السفير القطري محمد العمادي، وذلك بعد أيام من الصد والرد، إذ أكّد القيادي في الحركة خليل الحيّة هذا الرفض الحمساوي، معلّلاً ذلك بتصرفات دولة الاحتلال الإسرائيلي التي كانت قد أعلنت قبل أيام رفضها تسليم المنحة القطرية لأهالي قطاع غزة المحاصر، إثر المناوشات التي اندلعت على الحدود هناك، والتي أدت إلى قنص مجند إسرائيلي..

كثيرون تساءلوا: ما الذي حدا بحماس نحو هذه الخطوة، في هذا الظرف العصيب الذي يعيشه الغزيون في ظل حصار خانق: وانعدام الكهرباء الذي أدى إلى توقف المستشفيات عن العمل هناك؟

ولعل الإجابة عن هذا التساؤل المريب تتلخص في النقاط التالية:

 

حركة حماس ترفض هذا المنطق المتغطرس لدولة الاحتلال، حتى لو كانت هي اليوم بحاجة ماسة إلى هذه الأموال من أجل تخفيف وطأة الحصار

أولاً: تريد حركة حماس من خلال هذا الرفض المفاجئ إيصال رسالة إلى العدو الإسرائيلي، مفادها أنّ سكان قطاع غزة الذين صبروا على الحصار مدة اثني عشر عاماً، لهم أجدر اليوم أن يرفضوا الخضوع إلى الإمرة الإسرائيلية، التي ترمي إلى إذلال السكان الفلسطينيين، وإرسال إيماءات توحي بأن لقمة العيش لن تعبر إلى أفواهكم إلا عن طريقنا وبموافقتنا وبإذنٍ منا، وبالتالي فإنّ حركة حماس ترفض هذا المنطق المتغطرس لدولة الاحتلال، حتى لو كانت هي اليوم بحاجة ماسة إلى هذه الأموال من أجل تخفيف وطأة الحصار عن سكان قطاع غزة الذين بدأوا يفكرون بالهجرة للبحث عن مقومات الحياة الأساسية..

ثانياً: تريد حركة حماس من خلال رفضها للمنحة القطرية، امتصاص الغضب الشعبي في القطاع، إثر ما سمّوه المفاوضات المهينة التي تسعى دولة الاحتلال إلى إجرائها مع الجانب الفلسطيني، ممثلاً بحركة حماس في قطاع غزة، لإيصال هذه الأموال، فالشعب استشعر في التصرفات الإسرائيلية ذلاً ومهانةً ما اعتاد المواطن الفلسطيني على تقبّلها منذ نكبة فلسطين عام 1948م، وبالتالي راح الكثيرون من أبناء غزة ومن خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي يطالبون، وبالفم الملآن، برفض هذه المنحة التي تأتي من بوابة الاحتلال، وقد طالبوا قادة حماس بضرورة الرفض وعدم القبول، وبالتالي وجدت حركة حماس نفسها مضطرة للإنصات إلى المطلب الجماهيري الذي أجمع على ذلك، الأمر الذي أدى إلى إعلان الحركة رفضها استلام المنحة القطرية..

ثالثاً: تسعى حركة حماس من خلال هذه الخطوة اللامسبوقة إلى لجم الجهات التي طالما اتهمت حركة حماس بأنها باعت مسيرات العودة مقابل الدولار، وتخلت عن دماء الشهداء والجرحى هناك، بعدما فبركت تلك المسيرات من أجل استفزاز دولة الاحتلال، وصولاً إلى مفاوضات علنية أو سرية تفضي إلى إغداق الأموال على الحركة، مقابل وقف مسيرات العودة.

 

تلوح في الأفق بوادر اتهام خطير للحركة بالمتاجرة بدماء الشهداء والجرحى، الأمر الذي نفته حركة حماس مراراً، وها هي اليوم تقول لمن يتبنى هذه الافتراءات

وفي هذا الادعاء تلوح في الأفق بوادر اتهام خطير للحركة بالمتاجرة بدماء الشهداء والجرحى، الأمر الذي نفته حركة حماس مراراً، وها هي اليوم تقول لمن يتبنى هذه الافتراءات، بأنّ المال المقدّم لنا، هو مال مرفوض طالما أنه يمس الثوابت الأساسية للشعب الفلسطيني، ويطعن في شرفية الكرامة الفلسطينية، ولسانُ حالها يقول بأننا اليوم أكثر جدارةً على التصدي للغطرسات الإسرائيلية التي تهدف إلى سلب الحقوق الفلسطينية المشروعة، واستمرارية الحصار الخانق على قطاع غزة..

ويقول الكثيرون بأنّ حركة حماس لم تكن لتجرؤ على رفضها المنحة القطرية، لو لم تلاقِ دعماً شعبياً لهذه الخطوة، والذي بدا واضحاً جلياً في الأوساط المحلية والاجتماعية..

ولا يمكن اعتبار هذه الخطوة الحمساوية بأنها انتقاص من الشأن القطري، إذ أنّ دولة قطر كانت وما تزال وستبقى رائدة العالم في إغداق الأموال نصرةً للقضية الفلسطينية، وتضامناً مع الصوت الفلسطيني الذي يطالب بالحقوق المشروعة..

وهكذا يبقى فقراء غزة وجرحاها وشبابها المكلوم على موعد دائم مع ظروف عصيبة جديدة، تدق ناقوس الخطر من جديد، والذي يبشر بأمارات استمرار الحصار، كي يقضي أبناء غزة ليلتهم هذه بين فكّي كماشة: إما المال الموشوم بالذل والتخلي عن المبادئ والثوابت، وإما الحصار مقابل نيل الكرامة في أروقة الجوع، وبالتالي يجدون أنفسهم مضطرين الاضطرار كله أنْ يتبنوا وجهة النظر الثانية، ليدخلوا في مرحلة جديدة من مراحل الضيق والضنك، لم تُعرَف نهايتها بعد..