قضايا وآراء

حسن البنا.. سبعون عاما على استشهاده

1300x600

استشهد الإمام حسن البنا رحمه الله، في الثاني عشر من شباط (فبراير) سنة 1949م، وتمر الذكرى السبعون على استشهاده هذه الأيام، ويعترض البعض على إطلاق لقب الشهيد على كل من كان عدوا لحاكم ظالم، فقام بقتله، مثل البنا، والأستاذ سيد قطب، والقاضي الفقيه عبد القادر عودة، وغيرهم من شهداء الكلمة، وهي ليست تأليًا على الله بمنح الشهادة لأحد، بل هي صيغة أقرب ما تكون إلى الدعاء لله سبحانه وتعالى أن يرزقهم أجر الشهادة، مثل قولنا: المرحوم فلان، فهل نحن هنا جزمنا برحمة الله له، بل هي صيغة دعاء بأن يرحمه الله.

ومع مرور سبعين عاما على استشهاد البنا، إلا أنه لا يزال هناك الكثير مما يجهله الناس عن الرجل، بل مما يجهله أعضاء جماعته عنه، وكذلك قادتها، فالمسافة الآن بين البنا ومنهجه، وكثير من الإخوان مسافة بعيدة جدا للأسف، فشتان بين الرجل وكثير من أتباعه، من حيث الفكر، أو القيادة، أو السلوك والتربية. ولعلنا نلقي الضوء على بعض هذه المحطات في مقالات قادمة إن شاء الله.

 

إقرأ أيضا: الإخوان: حسن البنا أرسى معالم مشروع إسلامي عبقري

فحسن البنا الذي وضع سنة 1940م ما أسماه: لائحة المنهاج الثقافي، وهي لائحة كتب، لا يحق أن يطلق عليه من دعاة الإخوان المسلمين إلا من تخطى قراءة هذه الكتب، وامتحن فيها، وضع فيها البنا من الكتب التي تدرس في علم الاجتماع: ثلاثة كتب لجوستاف لوبون، منها: سيكولوجية الجماعات، وروح السياسة والاجتماع، وكتب لمؤلفين أوروبيين آخرين، فضلا عن كتب في علم النفس، وقبلها في العقيدة والتفسير والحديث والفقه، وشتى العلوم الإسلامية والإنسانية، فتلك كانت المناهج التي وضعها حسن البنا لأبناء زمانه، فهل يدرس أي كتاب من هذه الكتب الآن؟!

حسن البنا الذي انفتح على كل وسائل زمانه، فلم يترك وسيلة تصلح للدعوة إلا واستخدمها، بداية من المجلات والجرائد، بل كان رحمه الله أول من استخدم ميكرفونا يدويا للدعوة، واستخدمه في آخر رحلة حج له سنة 1946م، وقد لقيه أحد المتشددين فقال له: يا شيخ حسن هذا الميكرفون بدعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخدمه في الدعوة، وقد كان الرجل يستعمل (نظارة)، فقال له البنا: والنظارة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فهي بدعة اخلعها. فقال الرجل: إن النظارة تكبِّر لي الخط، فقال البنا: والميكرفون يكبر لي الصوت! فسكت الرجل واقتنع.

 

إقرأ أيضا: الإنسان الاقتصادي الصالح في فكر الإمام حسن البنا

وكما انفتح على الأفكار، انفتح على الأشخاص كذلك، فكان من مستشاريه وأصدقائه، المسلم والمسيحي، فقد كان من مستشاريه السياسيين غير مسلمين معروفين، من بينهم: مكرم عبيد، وهو الشخص الوحيد الذي حضر عزاءه، بل سمح أن يكون بين أفراد تنظيمه وجماعته من ينتمي سياسيا لحزب سياسي، فقد كان معه أحمد السكري وهو ذو ميول وفدية سياسيا، وكذلك الشيخ الشعراوي، كما ذكر بنفسه، وكان سبب خلافه مع حسن البنا موقفه من مصطفى النحاس باشا.

 

رحم الله الإمام البنا، الذي لو عاد للحياة الآن وقدم طلب انضمام للتنظيم لرفضه المسؤولون في التنظيم الآن، فأفكاره مختلفة عن أفكارهم


بل سمح البنا لأن يجمع أعضاء في جماعته بين وجوده في تنظيم الإخوان، ووجوده في جماعة دينية أخرى، ومن هؤلاء الشيخ: محمد عبد السلام الشقيري، صاحب كتاب (السنن والمبتدعات) وقد كان الرجل الثالث في جماعة أنصار السنة، ومع ذلك كان مسؤول شعبة الإخوان المسلمين بالحوامدية بالجيزة، فقد كان البنا يمد يد العون والتوافق مع الجميع، لم يكن منغلق الفكر، أو ضيق الأفق.

وانفتح على غير الملتزمين من غير السياسيين، كما رأينا ذلك في إنشاء الإخوان لمسرح وفرقة مسرحية، وقد فصلت ذلك في كتابي: (حسن البنا وتجربة الفن)، وكانت له علاقة بالفنان أنور وجدي، والفنانة ليلى مراد زوجته آنذاك، وكان أحد أسباب إسلامها وتعرفها على الإسلام، فضلا عن فنانين آخرين مشهورين كانوا في فرقة الإخوان المسرحية مثل: عبد المنعم مدبولي، وعبد البديع العربي، ومحمد السبع، وإبراهيم الشامي، ومحمود المليجي، وسعد أردش، وسراج منير، وشفيق نور الدين، وعبد الله غيث، وحمدي غيث، وإبراهيم سعفان، وأمينة رزق، وسعاد محمد، ووداد حمدي، وغيرهم من الفنانين الكبار فيما بعد. 

رحم الله الإمام البنا، الذي لو عاد للحياة الآن وقدم طلب انضمام للتنظيم لرفضه المسؤولون في التنظيم الآن، فأفكاره مختلفة عن أفكارهم، ولا يمكن أن تنطبق عليه شروطهم ليكون أخًا من الإخوان المسلمين، فهو بالطبع منفتح الفكر، ومنفتح في علاقاته بالآخرين، والسمع والطاعة عنده مشروطة بالنقاش والفهم، والثقة عنده مشروطة بالشفافية والمشاركة في اتخاذ القرار، وهذه كلها أسباب لا تؤهله ليكون عضوا في جماعة الإخوان المسلمين!!

 

إقرأ أيضا: حسن البنا.. 66 عاما على الرحيل، ودعوته في أوج قوتها