عقد المجلس الأعلى
لتنظيم الإعلام في
مصر اجتماعا الأحد لمناقشة الصياغة القانونية النهائية للائحة
الجزاءات الخاصة بمخالفات وسائل الإعلام المختلفة، التي لاقت الكثير من الاعتراضات
من جانب الإعلاميين والصحفيين والمدافعين عن حرية التعبير في البلاد.
وكان المجلس الأعلى
لتنظيم الإعلام، وهو مؤسسة حكومية حلت محل وزارة الإعلام ويترأسها الصحفي مكرم
محمد أحمد المقرب من النظام، قد أعلن في تشرين الثاني /نوفمبر الماضي المسودة
النهائية لمشروع
لائحة الجزاءات، التي تشمل القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع
الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وعقب إصدار مسودة
اللائحة، أعلن مئات الإعلاميين والصحفيين والشخصيات العامة اعتراضهم عليها، حيث
وقع أكثر من 600 إعلامي وصحفي على بيان يؤكد رفضهم لتلك اللائحة جملة وتفصيلا.
"فرض الصمت
التام"
وكان صحفيون مصريون
قد قدموا السبت مذكرة إلى "المجلس الأعلى للإعلام" وإلى "مجلس
الدولة"، وهو جهة قضائية يتبع القضاء الإداري، اعتراضا على لائحة الجزاءات
التي أقرها مجلس الإعلام مؤخرا.
أكدت المذكرة أن
هذه اللائحة جاءت "لتكمل فرض الصمت التام على وسائل الإعلام كافة، عبر نصوص
عقابية تجرم تماما ممارسة الإعلام والصحافة إلا في الحدود المسموح بها أمنيا وحكوميا، مضيفة أن اللائحة لم تكتف بتحويل نصوص قانون تنظيم
الصحافة والإعلام
القمعية إلى إجراءات عقابية، بل توسعت في فرض عقوبات خارج إطار القانون، لتهدم
المبدأ القانوني الراسخ الذي يشدد على أنه لا عقوبة إلا بنص".
وأضافت أن اللائحة "اغتصبت
سلطة القضاء بمنحها المجلس الأعلى للإعلام سلطة فرض عقوبات جنائية على الصحف
والمؤسسات، كما تعدت أيضا على سلطة النقابات، متجاهلة النصوص القانونية والدستورية
التي تعطي للنقابات المهنية دون غيرها سلطة معاقبة أعضائها تأديبيا".
وأشارت إلى أن "اللائحة
تصدر عقوبات دون تحقيق، وتعاقب وسائل الإعلام بالحجب لمجرد الاشتباه في ارتكاب
جريمة! استنادا إلى تهم فضفاضة كاعتبارات الأمن القومي أو الإساءة لمؤسسات الدولة
أو إهانة الرأي الآخر".
كما أصدر مجلس
نقابة الصحفيين بيانا تضمن ملاحظاته على اللائحة، وطالب بإلغاء الغرامات المالية،
وحذف التهم المطاطة والمعاقبة دون إثبات التهمة، وكذلك إلغاء عقوبة الحجب؛ لمخالفتها القانون الذي يحظر منع نشر إلا بضوابط محددة نص عليها الدستور.
"تكفل حرية
الإعلام"
وعلى الرغم من حالة
الرفض الواسعة، إلا أن هيئة مكتب المجلس الأعلى للإعلام وافقت على اللائحة خلال
اجتماعها الأخير نهاية كانون الثاني/ ديسمبر الماضي، وطلب المجلس من نقابتي
الصحفيين والإعلاميين حضور اجتماعه المقبل لأخذ رأيهما في اللائحة قبل إقرارها
نهائيا.
وأبدى المجلس
الأعلى للإعلام، خلال الأيام الماضية، إصرارا كبيرا على موقفه، حيث قال رئيسه مكرم
محمد أحمد، في بيان له، إن مشروع لائحة الجزاءات الجديدة، يكفل حرية الإعلام، كما
يحفظ حقوق القراء والمشاهدين في الحصول على خدمة إعلامية منضبطة.
وأكد الأمين العام
للمجلس أحمد سليم في تصريحات صحفية، أنه لن يتم إجراء أي تعديل على اللائحة التي تخالف
قانون المجلس، مثل إلغاء الغرامات أو العقوبات التأديبية للصحفيين، ووصف مذكرة
نقابة الصحفيين بأنها "تخالف المنطق"، متسائلا: "هل يجوز أن يخطئ الصحفي
ولا يحاسب أو يعاقب؟"
"مصادرة مساحة
الحرية الأخيرة"
وتعليقا على هذه
اللائحة، قال نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش، إن هذه الخطوة "تأتي امتدادا
طبيعيا ومكملا لقوانين حنق حرية الصحافة التي أقرها مجلس النواب مؤخرا"،
مضيفا أن هذه اللائحة "تغلق في وجه المصريين آخر مساحة متاحة للتعبير عن
الرأي، وتصادر مهنة الإعلام والصحافة بشكل نهائي".
وأكد قلاش، في
تصريحات لـ"
عربي21"، أن بنود اللائحة تتضمن عقوبات قاسية تصل إلى إغلاق
الوسيلة الإعلامية إذا وجهت لها اتهامات فضفاضة ولا يمكن قياسها، مثل: الحض على
الكراهية أو إذاعة أخبار مجهولة المصدر، "ما يجعل جميع وسائل الإعلام بلا
استثناء عرضة للإغلاق في أي وقت إذا خالفت تعليمات الحكومة".
وطالب من أسماهم
العقلاء في النظام ، "بتحذيره من مغبة هذه الطريقة في التعامل مع حرية التعبير
في البلاد، التي لا تأتي أبدا بخير على الجميع"، مضيفا أن "فتح المجال
العام للتعبير عن الرأي والتنفيس عن الضغوط، سيفيد النظام في المقام الأول بعد أن
تيقن الجميع في مناسبات عديدة من أن سياسة الكبت لا تجدي على المدى الطويل".
"قطار القمع
المنطلق"
من جانبه توقع
الباحث الحقوقي أحمد الإمام أن تفشل محاولات نقابة الصحفيين في منع النظام من
إصدار هذه اللائحة، مشددا على أن "قمع النظام أصبح مثل القطار المنطلق الذي يدهس
أي شيء في وجهه".
وحول تأثير هذه
اللائحة على المشهد الإعلامي في مصر، قال الإمام لـ"
عربي21" إن "البلاد
تعاني منذ تموز/ يوليو 2013 من قمع وتخوين كل من يخالف توجهات النظام"، مضيفا
أن هذه اللائحة "ستكرس لحالة الإرهاب الفكري غير المسبوق الذي يتعرض له كل من
يهتم بالشأن العام".
وأشار إلى أن هذه
اللائحة "شهدت نقلة نوعية في قمع حرية التعبير، حيث تضمنت بنودا تهدف إلى
تكميم الأفواه التي ما زالت تنتقد النظام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي باتت
المتنفس الوحيد للمصريين، حيث ساوت اللائحة بين صفحات التواصل الاجتماعي الشخصية
ووسائل الإعلام التقليدية كالقنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإخبارية".