نحت المغاربة نهجا سياسيا وفكريا مختلفا في التعاطي مع تنامي المطالب التنموية، فقد دعا العاهل الملك محمد السادس بشكل مبكر إلى تعديلات دستورية مستعجلة، تجاوبا مع مطالب المتظاهرين مطلع العام 2011، مما مكن من استيعاب الاحتجاجات وتأطيرها ضمن رؤية سياسية أثمرت دستورا بصلاحيات معتبرة للحكومة، وانتخابات نقلت الإسلاميين من الهامش إلى المركز.
لكن نتائج هذا الفعل السياسي النظري على الأرض، كما يرى ذلك الكاتب والباحث المغربي منير الجوري، الذي كتب هذا التقييم خصيصا لـ "عربي21"، لم يجد ترجمة سياسية واقتصادية وإعلامية تعلي من قيمة المواطن، وتعكس مطالبه التي انتفض من أجلها.
وهذا نص مقاله:
يعرف المغرب هدرا كبيرا في زمنه السياسي وهو ما يزيد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية تفاقما، خاصة إذا استحضرنا الأحداث الإقليمية والدولية بفرصها وتحدياتها من جهة، وإمكانيات البلاد وثرواتها المادية والجغرافية والحضارية من جهة أخرى.
ولعل أهم الأحداث التي طبعت مغرب 2018 تؤكد إسدال الستار على العرض السياسي الذي قدمه النظام المغربي سنة 2011 بشكل لا يدع مجالا للشك. وهو ما يعني استمرار السلطوية في تكبيد البلاد مزيدا من الخسائر بما يضع مستقبلها على المحك، ويديم واقع الفساد والاستبداد اللذين يكبلان مسارات التغيير، ويعرقلان الطموحات الشعبية التي جسدتها ديناميات احتجاجية مجالية وفئوية، مطالبة بتنمية شاملة وكرامة إنسانية وحرية حقيقية وعدالة منصفة.
الاحتكار السياسي
تعتبر السلطوية شكلا من أشكال الحكم تقوم على الاستفراد بالسلطة واحتكار الثروة، فيما تضعف فيه بشكل كبير الإجراءات المتعلقة بالمشاركة الشعبية واختصاصات المؤسسات التمثيلية التي تساهم بقسط ضئيل في صنع القرار. وتبرز السلطوية في المغرب من خلال الفصل الواضح بين الحكم والحكومة؛ فالحكم يستفرد بقرارات تشريعية وتنفيذية يتخذها فاعلون لا يخضعون لأي شكل من أشكال الانتخاب أو المحاسبة، فيما يتم تصدير مسؤولية الإخفاقات المتعددة على جميع الأصعدة لفاعلين ثانويين من داخل الحكومة والبرلمان، يُمنحون هامشا من السلطة ويوضعون بقوة القانون والواقع في موقع اللاحق والتابع والخادم، فتصبح المؤسسات المنتخبة التي يفترض فيها التمثيل الشعبي مجرد هياكل تحت الطلب، تبذل جهدا كبيرا في إيجاد تبريرات لسلطوية النظام السياسي وتعزيزها وتثبيتها، ويتضح ذلك من خلال متون دستورية أو ممارسات عملية تنتصر للملكية التنفيذية، بعيدا عن فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة.
اقرأ أيضا: المغرب.. إسلاميون في الحكومة وليس في الحكم
فعلى مستوى السلطة التنفيذية، يبرز ارتباط التدبير الحكومي بالخطب والتعليمات الملكية وليس بالتعاقدات الحزبية التي تمت على أساسها الانتخابات التشريعية، ولا ببرنامج الأغلبية الحكومية الذي عرض على البرلمان.
وتجلى ذلك في تصريح عبر عنه رئيس الحكومة عقب الخطاب الملكي لعيد العرش لسنة 2018 قائلا: "مباشرة بعد الخطاب الملكي عُقد اجتماع حكومي بالقطاعات المعنية بهدف وضع برنامج تنفيذي". كما تتضح سلطة الملك على الحكومة من خلال إعفائه لوزيرين جديدين، بعد أن أعفى السنة الماضية أربعة وزراء آخرين دون إطلاع الرأي العام على أسباب وخلفيات هذا الإعفاء، فيما لم يجد الناطق الرسمي للحكومة ما يفسر به هذا القرار غير قوله: "ليس لدي ما أضيفه"، وهي عبارة تقول كل شيء عن عجز الحكومة وحدود اختصاصاتها.
تدابير ارتجالية
ويتأكد هذا العجز الحكومي مع التخبط والارتجال الذي دبرت به الحكومة قرار اعتماد التوقيت الصيفي طيلة السنة وما رافقه من تدابير ارتجالية مرتبكة، وتصريحات متناقضة على مستوى الوزارات، في محاولة لأجرأة سريعة لقرار لم تساهم في صياغته، فأحرى الإعداد الكافي والناجع لتطبيقه.
وتمتد يد السلطوية للمؤسسة التشريعية أيضا، حيث إن العديد من مشاريع القوانين تمر عبر المجلس الوزاري كما هو حال مشروع قانون الخدمة العسكرية ومشروع قانون ـ إطار يتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، اللذين صادق عليهما المجلس الوزاري بتاريخ 20 آب (أغسطس) 2018.
أما على مستوى السلطة القضائية، فقد أكدت المحكمة الدستورية هذه السنة في قرارها عدد 110 أن رئيس النيابة العامة أصبح مسؤولا أمام الملك باعتباره السلطة التي عينته، وليس أمام البرلمان أو وزير العدل. وهو ما يجعلها سلطة موازية لسلطة القضاء، ولكنها غير مستقلة مادامت تحت وصاية فاعل سياسي له حساباته ورهاناته في المشهد.
العلاقات الخارجية
كما تعرف العلاقات الخارجية المغربية مشكلة بنيوية مزمنة ظلت تؤثر في توجهاتها وحصيلتها، ويتعلق الأمر بالتدبير الاحتكاري والمنفرد الذي يستبعد كل القوى السياسية والمجتمعية، باستثناء بعض الفاعلين المعدودين الذين يسمح لهم بأداء أدوار ثانوية عند الحاجة.
ومن نتائج ذلك، استمرار توتر علاقات المغرب مع محيطه؛ فإلى جانب الجزائر، عادت الأجواء المتوترة مع موريتانيا لتسود خلال هذه السنة، خاصة بعد الاستقبال الذي حظي به مبعوثَ جبهة البوليساريو خلال زيارة رسمية إلى موريتانيا، في الوقت الذي كان الوسيط الأممي، هورست كوهلر، يجري مباحثات لإشراك دول الجوار في دعم مجهودات المبعوث الأممي، والدفع بمسلسل المفاوضات في قضية الصحراء.
واصلت السلطة السياسة خلال سنة 2018 احتكار الدين من خلال تأميم المساجد وتسييس خطب الجمعة وصبغها بخطاب موحد في اتجاه خدمة السلطوية وتبرير سياساتها
تخضع المنابر الإعلامية الرسمية لاحتكار كلي من طرف السلطة، مع المنع المطلق لتمتع قوى معارضة بحقها في الإعلام العمومي
اقرأ أيضا: إدانة بوعشرين بـ 140 مليون.. حكم جديد بالمغرب لصالح أخنوش
إسلاميو فلسطين.. جدلية الدين والسياسة والمقاومة (1من2)
"حماس" ومنظمة التحرير ومأزق أوسلو.. التوافق الصعب 2من2
"حماس".. النشأة والهوية والمسار في مواجهة الاحتلال (1من2)