ثلاثة أيام وتُسلم سنة 2018 الروح تاركةً لنا ذكرياتها السوداء التي ربما كانت أسوأ ما مر على الشعب الفلسطيني في الألفية الثالثة.
على المستوى السياسي شهدت هذه السنة خسارات كبيرة بدءاً باعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارتها إليها على الرغم من كل المناشدات والبيانات الكثيرة المعبرة عن الاستياء، ومع ذلك فإن الانتقادات العربية والإسلامية وحتى الغربية للقرار لم تكن أكثر من ظاهرة صوتية سرعان ما ضاعت في فضاء المصالح.
وعلى الرغم من ضعفنا، فإن المواجهة مع الإدارة الأميركية كانت أكبر من توقعات العالم، فالكل مصدوم من القدرة الفلسطينية على المواجهة، بعد أن كان العالم يتساءل إن كان الفلسطينيون قادرين على مواجهة الفيل الأميركي، ولم يدر بخلدهم "أن البعوضة تدمي مقلة الأسد".
ليس بعيداً عن قرار الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالقدس، جاء قرارها الثاني بتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بدءاً بوقف المساعدات الأميركية بشكل كامل عن الوكالة الأممية، وصولاً إلى التحريض عليها في محاولة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين.
جهود مضنية بذلتها إدارة "الأونروا" ومنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية لجمع أكبر قدر ممكن من التبرعات الدولية لسد العجز الذي خلفه القرار الأميركي وتمكين "الأونروا" من مواصلة مهامها الإنسانية خاصة في قطاعي الصحة والتعليم.
تمكنت "الأونروا" من الإفلات من حد السيف الأميركي، لكن السؤال المطروح الآن هو هل يمكن أن تواصل "الأونروا" الإفلات في السنة المقبلة والتي تليها؟
أما المسيرة السلمية فلا تزال في ثلاجة الموتى الإسرائيلية نتيجة عدم توقف أسباب تعطلها وحتى قتلها بفعل الاعتداءات والخروق الإسرائيلية التي تضاعفت هذه السنة، خاصة ما يتعلق بالاستيطان، صحيح أن التوسع الاستيطاني لم يتوقف طول الفترة الماضية لكنه لم يبلغ حد إقامة مستوطنة جديدة لأول مرة منذ توقيع اتفاق أوسلو.
لم يتمكن العالم من وقف السرطان الاستيطاني على الرغم من كثرة البيانات والإدانات العالمية خاصة من الاتحاد الأوروبي الذي أصبح في كثير من المواقف أشبه بظاهرة صوتية ليس إلا، وكانت آخر تلك الإدانات أول من أمس، بعد الإعلان عن إقامة مئات الوحدات الاستيطانية الجديدة على امتداد الضفة الغربية.
شهدت هذه السنة، أيضاً، هجمة واسعة من الكنيست على كل ما هو فلسطيني، حتى أصبح أعضاء الكنيست اليمينيون يتسابقون فيما بينهم على طرح مشاريع قوانين عنصرية والمصادقة عليها بسرعة من أجل كسب ود المستوطنين، ومن بينها قانون القومية الإسرائيلية الأكثر عنصرية في العالم. ومن بينها قانون القدس الموحدة الذي جاء بعد ساعات من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وقانون منع الإفراج المبكر عن الأسرى، ومشروع قانون ترحيل عائلات المقاومين.
على الصعيد الداخلي، تجذر الانقسام أكثر في نهاية هذه السنة المشؤومة، على عكس التوقعات في بدايتها التي شهدت عديد اللقاءات الداخلية والخارجية لإنهائه، فقد أصبح الانقسام هو الواقع أما المصالحة فأمست هي الاستثناء، ما يعني ألا دولة فلسطينية إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه لأنه لا دولة دون غزة ولا دولة في غزة.
تبدو قضية المصالحة كأحجية لا يمكن إيجاد حل لها إلا بتدخل إلهي. أما المناكفات السياسية بين حركتي فتح وحماس فقد بلغت أوجها والاستقطاب الثنائي لم يكن بهذه الحدة من قبل، وخاصة الاستقطاب الإعلامي، لذا يبدو أن الأمور لا تسير في الطرق الصحيحة.
الأوضاع في غزة على حافة الانهيار، أما الأوضاع الاقتصادية في الضفة فتسوء تدريجياً مع التجفيف التدريجي لمصادر التمويل الأجنبي وتوجه السلطة إلى فرض مزيد من الضرائب لسد العجز.
قبل وفاة سنة 2018 جاء قرار حل المجلس التشريعي قضائياً ليزيد الانقسام. في الضفة إقرار بالقرار القضائي وفي غزة رفض وتجاهل للقرار، وكل يغني على ليلاه.
هل سيتغير الوضع في السنة الجديدة؟ تنبؤات الفلكيين وخاصة العرب منهم تقول إن ترامب سوف يغتال لموقفه من القدس وإن المقاومة الفلسطينية ستتوحد وإن المصالحة ستتحقق في نهاية 2019... ولكن يبدو أن هذه أحلام يقظة ليس أكثر.
كل أمراض 2018 ستنتقل إلى السنة الجديدة، حتى الانتخابات المقبلة مشكوك في عقدها؛ لأن هناك معضلتين هما: القدس وقطاع غزة، ومن دونهما لا انتخابات، أما الانقسام فسيستمر والاستيطان سيتغوّل أما اليمين الإسرائيلي العنصري فسيزداد قوة، والإرهاب اليهودي قد يشرعن قريباً... كل ما سبق والعالم العربي في سبات دائم، والمجتمع الدولي لم يعد يهتم بالقضية الفلسطينية.
نتمنى عاماً جديداً مباركاً للشعب الفلسطيني على الرغم من المؤشرات السوداوية كلها.
عن صحيفة الأيام الفلسطينية