قضايا وآراء

حرية الصحافة المستباحة.. إلى متى؟!

1300x600
المشهد الإعلامي بعد انقلاب 3 تموز/ يوليو مشهد بئيس للغاية؛ فالصحافة أصبحت جريمة، وعشرات الصحفيين يقبعون في غياهب السجون والمعتقلات بسبب دفاعهم عن أحلام الناس في الثورة والحياة الكريمة.

والإعلام أضحى صوتا واحدا للسلطة، ولا مكان للرأي الآخر. وأصبح الإعلاميون في مقاعد المتفرجين، وآثر الكثير منهم السلامة واتجه إلى برامج المنوعات بعيدا عن السياسة ومخاطرها، بل تم إقصاء إعلاميين كان لهم الفضل في تمهيد الأرض أمام الانقلاب بعد شيطنة الرئيس المنتخب، وعلى رأسهم الإعلامي الساخر باسم يوسف.

خمس سنوات عجاف والوضع جد خطير في ما يتعلق بحرية الصحافة، بل تم الاختطاف الحقيقي للإعلام بالالتفاف لشراء القنوات التليفزيونية التي يشتم منها رائحة التعدد، وتحويلها إلى كيانات هشة تعزف النغمة المطلوبة التي تعزفها وسائل إعلام الدولة، والتي توشك على الإفلاس بسبب فقدانها للمصداقية.

ومنذ أيام، تم الاعتداء على عدد من الزملاء الصحفيين، من قِبل الأمن الإداري لنقابة الصيادلة، أثناء تغطيتهم لانتخابات النقابة. والاعتداء كان وحشيا، حيث أصيب الزملاء بجروح قطعية تلقوا على إثرها "غرزا"، كما تم تحطيم كاميراتهم وهواتفهم المحمولة.

والأمر ليس مستغربا في ظل مناخ تسوده الفاشية السياسية والانتقام من الصحفيين؛ الذين أصبحوا مقموعين مضطهدين تحت وطأة نظام استبدادي اقتحم نقابة الصحفيين واستباح حرمة الصحفيين، حتى تجرأ الجميع في التطاول على الصحفيين الذين يعملون في ظروف خطرة، مع اعتبار أن الصحافة جريمة، حيث يوجد عشرات الصحفيين رهن الحبس، وبعضهم حكم القضاء بانتهاء مدة حسبهم، مثل المصور محمود شوكان، والذي لا يزال سجينا دون مبرر، فضلا عن الصحفي المناضل مجدي أحمد حسين الذي يعاني صحيا في سجنه منذ أربع سنوات، وهشام جعفر الذي تجاوز مدة الحبس الاحتياطي ويعاني ظروفا قاسية، ومحمود حسين الذي تجاوز سنتين في الحبس، ولا جريمة سوى أنه يعمل في قناة الجزيرة.

وقد اعتبرت منظمة "مراسلون بلا حدود" أن "الصحافة المستقلة تموت في مصر"، حيث يوجد في سجونها حاليا 38 صحفيا اعتقلوا بسبب عملهم، مضيفة أن مصر تحتل حاليا المرتبة الـ161 بين 180 بلدا في مؤشر حرية الصحافة العالمي.

ومع ارتفاع وتيرة الانتهاكات إزاء حرية الصحافة والإعلام، يتم حرمان العشرات من الصحفيين المحبوسين من إدخال الأغطية والألبسة الشتوية إليهم في مواجهة البرد الشديد، وموجة الصقيع التي تشهدها مصر.

وسط هذه الجرائم الوحشية ضد الإعلاميين والصحفيين، أقر مجلس النواب لائحة جزاءات المجلس الأعلى للإعلام، والتي تعدّ امتدادا طبيعيا لقوانين "إعدام الصحافة" التي تستهدف مصادرة حرية الرأي والتعبير، وكل مساحة متاحة للكلام.

فبنود اللائحة "تشكل جرائم كاملة في حق صاحبة الجلالة واستكمال عملية تأميمها. هذه الجرائم لا يمكن حصرها فقط في مخالف الدستور، أو تجاوز مواد قانون العقوبات، أو استبدال المحاكمات بعقوبات إدارية، والتعدي على دور النقابات، بل إنها تتخطى ذلك إلى مصادرة الحق في المعرفة، وتداول المعلومات، وصولاً إلى اغتيال حق المواطنين في التعبير عن آرائهم".

بل تعد هذه اللائحة عدوانا على حق الصحفيين والإعلاميين في العمل بحرية، وحق المجتمع في المعرفة والتعبير وتدفق المعلومات، من دون وصاية أو سيطرة من جهات أو أجهزة بعينها.

الغريب أن ما يجري في مصر لا يمكن فصله عن المناخ السائد في عدد من دول العالم التي تشهد عدوانا غير مسبوق على الصحفيين والإعلاميين، حتى رأينا الجريمة البشعة التي نفذت بحق الزميل جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.

وقد شهد هذا العام ارتفاعا هائلا في عدد السجناء من الصحفيين، حيث رصدت لجنة حماية الصحفيين سجن 251 صحفيا حول العالم بسبب عملهم، للسنة الثالثة على التوالي، إذ لجأت الأنظمة الاستبدادية على نحو متزايد إلى سجن الصحافيين لإسكات الأصوات المعارضة.

وقال المدير التنفيذي للجنة حماية الصحفيين، جويل سايمون: "لا تظهر أي إشارة على تراجع الهجوم العالمي الفظيع على الصحفيين والذي اشتد خلال السنوات القليلة الماضية. من غير المقبول أن يكون هناك 251 صحفياً سجيناً في العالم لمجرد قيامهم بتغطية الأخبار. ويتحمل الناس المهتمون بتدفق الأخبار والمعلومات الكلفة الأوسع لهذا القمع".

أعتقد أن الدفاع عن حرية الصحافة والإعلام ليس واجبا على العاملين في الحقل الإعلامي والصحفي فقط، بل واجب كل الأحرار في أن تصبح الصحافة مستقلة بعيدة عن صراع الدائر على السلطة، مع التأكيد أن حرية الصحافة ليست هي معركة مهنية قاصرة على صيانة حق الصحفيين في بيئات عمل عادلة ومتنوعة ومستقلة، ولكنها معركة المجتمعات الحالمة بالتغيير الطامحة إلى النهضة والعاشقة للحرية والكرامة.. هي حلم كل وطني حر أن يعيش في ظل صحافة حرة.