"لا يمكننا حقّا أن نقول إننا نعيش في عالم يسوده العدل والمساواة حتى
يتمكن نصف سكّاننا المتمثلين في النساء والفتيات من العيش في مأمنٍ من الخوف
والعنف، ومن انعدام الأمن يوميا".
تلك
كانت كلمات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في اليوم الدولي
للقضاء على العنف ضد المرأة، الذي يحتفي به العالم في يوم 24 تشرين الثاني/ نوفمبر
من كل عام، وهي مناسبة مهمة لاستعراض إيقاع العنف وواقع المرأة المصرية. فقد عرضت
دراسة حول ظاهرة ممارسة العنف ضد المرأة، أجراها الجهاز المركزي المصري للتعبئة
العامة والإحصاء، وصدرت في حزيران/ يونيو 2017م، عددا من الأرقام الصادمة، حيث
اعتمد الجهاز في منهجه للرصد على بعض المؤشرات حول ممارسة العنف ضد المرأة وخلص في
دراسته للنتائج التالية:
- 90 في المئة من النساء تم ختانهن.
- 42.5 في المئة من النساء يتعرضن للعنف من قبل أزواجهن.
- 37 في المئة من إجمالي النساء اللاتي يتعرضن للعنف على يد الأزواج،
أُمِّيات.
- 35.1 في المئة من النساء يتعرضن للعنف البدني، و47.5 في المئة يتعرضن
للعنف النفسي.
- 14.5 في المئة من السيدات يتعرضن للعنف الجنسي.
- 86 في المئة من النساء اللاتي تتعرض للعنف يعانين من مشاكل نفسية.
- 1.49 مليار جنيه قيمة الخسائر التي تتكبدها المرأة والأسرة في عام من جراء
العنف.
- 831 مليون جنيه تكلفة مباشرة من جراء العنف.
- 662 مليون جنيه تكلفة غير مباشرة (معنوية) للعنف تتكبدها المرأة.
- 4.1 في المئة من النساء في الفئة العمرية 18-19 سنة؛ يتعرضن للزواج
الجبري.
وبمجرد
مشاهدة ومتابعة واقع الحياة اليومية للمرأة المصرية، يستبعد المشاهد أي تطور
إيجابي عن وضع المرأة المصرية (مع ضعف أو إضعاف عمل منظمات العمل المدني المعنية
برصد تلك الظواهر ومعاونة الجهات الحكومية في رفع الوعي بحجم تلك الانتهاكات ضد
المرأة المصرية).
ويمكن
بوجه العموم ملاحظة أن الغالبية العظمى من المصريات هن تحت خط الفقر، ويواجهن
ضغوطا معيشية قاسية وضاغطة بشكل ملحوظ. ولكن ينبغي عدم الاستهانة بنشاط المصريات
ومحاولاتهن الشجاعة لتخطي هذه المتاعب، ورفع الصوت عن سائر الانتهاكات ضد حقوق
المرأة المصرية. فمثلا (ومن العجيب)، وعوضا عن محاكمة مرتكبي العنف ضد المرأة، تقوم
السلطات بحبس أمل فتحي بسبب نشرها مقطع فيديو تتحدث فيه عن تجاربها مع التحرش
الجنسي في مصر. إن تجريم أصوات الضحايا لهو خير دليل على تعاظم الظلم ومصادرة حرية
الرأي والتعبير، ليصبح الحديث عن المظالم مجرّما، والتشنج والتعامل الأمني حاضرا
بقوة في التعامل مع كل من يتحدث عن أحوال بعض السجينات أو تلك الظروف غير
الإنسانية التي تعانيها النساء المصريات في العموم، وكحالة خاصة، نساء المعتقلين
وأسرهم، وضيق الحال وشظف العيش للكثيرين منهن، وخاصة في غياب العائل أو المعيل..
ويبدو أنه السبب في حملة الاعتقالات الأخيرة التي طالت عدد من هؤلاء الناشطات،
ومنهن المحامية الستينية السيدة هدى عبد المنعم، والتي رصدتها كذلك منظمة العفو
الدولية في تقريرها الأخير... ومع هذه المعاناة غير الإنسانية، هناك واقع حياتي،
وقصص كفاح يومية تترجم بطريقة واقعية عمل المرأة المصرية، وبشكل مستمر ومنظم؛
لتحسين شروط حياتهن الشخصية والأسرية.
إن
الانتهاكات وصور العنف التي تتعرض لها المرأة المصرية؛ متعددة المصادر، وليس
"الشارع" (حيث التحرش الجنسي) سوي مصدر عَرضي وهامشي من بينها. إن أكبر
وأفظع الانتهاكات والعنف الذي تتعرض له المرأة المصرية؛ يصدر عن أجواء فكرية دينية
تريد أو تسعى لحبسها في "قفص العيب"، بحجة الاحتشام تارة أو بحجة مخالفة
الشرع؛ تلك الممارسات التي تتخذ منها ذريعة للتسلط أو حتى العنف ضد المرأة في
أحيان كثيرة.
هذا
التحدي الحقيقي أمام الدولة المصرية؛ ألا يستدعي قراءة واقعية وكاشفة عن واقع
العنف ضد المرأة المصرية، ومراجعة لسياسات الدولة المصرية؟ فبحسب إعلان القضاء علي
العنف ضد المرأة والصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 23 شباط/ فبراير 1994
"ينبغي على الدولة أن تدين العنف ضد المرأة ولو صدر من أحد أجهزتها، وألا
تتذرع بأي عرف أو تقاليد أو اعتبارات دينية للتنصل من التزامها بالقضاء عليه..".
إن
العنف الأسري ضد المرأة ليس ظاهرة مصرية، بل هو "ظاهرة
عالمية"، وحتى مجتمعات العالم الرأسمالي المتقدم تعرف العنف ضد المرأة،
لكن هذه الدول وضعت سلسلة من القيود والقوانين المكبلة لانتشاره، التي تجرم
مرتكبيه، ويقف المجتمع المدني بكل حسم لمراقبة أجهزة الدولة وآليات إنفاذها لتلك
القوانين.. هذا بطبيعة الحال يشمل مسألة تسامح الدولة حيال أي نشاط حقوقي نسوي
لرفع الوعي، وألّا تفزع ولا ترتعب من نشاط منظمات المجتمع المدني والمنظمات
الحقوقية. فعلى العكس، على الدولة العاقلة، ومن أجل حياة وسلام وتنمية مجتمعها، أن
تعمل بمسؤولية على التلاقي مع تلك المفاهيم الحداثية.
هل "تجزأرت" مصر أم مُصّرت الجزائر؟
فتنة الدستور والانقلاب الثالث للسيسي
اتهام الجماعة الإسلامية بالإرهاب إفلاس للثورة المضادة