درع العرب... مناورات سياسية بغطاء عسكري

تواصل القوات العربية المشاركة في تدريبات "درع العرب"، التي تشارك فيها السعودية والإمارات والبحرين والكويت والأردن، بالإضافة إلى البلد المضيف، مصر. ويحضر بصفة مراقب كل من المغرب ولبنان.

وإن كان الظاهر من هذه التدريبات أن المشاركين فيها يحاولون كتابة سيرة ذاتية لها يمتد تاريخها إلى سنين خلت، رابطين التدريبات المشتركة بين مصر والسعودية بما كان يسمى بمناورات تبوك، إلا أن حقيقة الأمر أن هذه التدريبات ولدت مع وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بعد إعلان السيسي عما أطلق عليها "صفقة القرن"، وبما أن الدول المشاركة في هذه التدريبات يجمعها (إلا القليل) هدف واحد، وهو الحرب على ما يسمى الإرهاب في مفهومهم، فإن فكرة الناتو العربي لا تبعد كثيرا عن تنفيذ هذا الهدف. فلا يمكن أن تحقق هذه القوة المراد إنشاؤها؛ ما تحاول الترويج له من قطع أذرع إيران في المنطقة وتحجيم الدولة التوسعية الطائفية، فلا الظروف تسمح ولا حتى الإمكانيات، وإن كانت هذه القوات ستكون - رغم ذلك - رهينة أوامر سيد البيت الأبيض فيما لو أراد خوض مغامرة على حساب تلك الدول، يحقق بها مجدا لنفسه وينهك بها أعضاء الناتو العربي المحتمل، ولا ضير أن يحلب المزيد من أموال البترول التي يستكثرها ترامب على أصحابها.

ولا يخفى دفع إدارة ترامب بهدوء دول الخليج، بالتعاون مع مصر والأردن، للبدء في تجميع ما أطلق عليه بعض مسؤولي البيت الأبيض "الناتو العربي" من حلفاء المسلمين السنة، للوقوف ضد القوة الشيعية إيران، لكن الواقع المرئي، لا سيما بعد أن دعا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى وقف العمليات العدائية في اليمن؛ مع وجوب البدء في مفاوضات بقيادة الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن بداية من الشهر المقبل، يجعل الذهاب إلى تحليل أهداف هذه التدريبات أبعد من مواجهة إيران أو حتى أذرعها.

وهو ما يبقي على الهدف الثاني: الحرب على الإرهاب. وتؤكد فعاليات التدريبات التي تشمل محاضرات نظرية للقوات؛ أنها تسعى لتغيير العقيدة القتالية للقوات المشاركة بتوحيد الرؤية والهدف ومواصفات العدو. ويدعم الجانب النظري ما أكده المتحدث باسم القوات المسلحة المصرية بأن التدريبات شملت على تعاون بين القوات البرية والقوات الخاصة؛ للإعداد والتجهيز لتنفيذ أنشطة اقتحام بؤر إرهابية والقتال في المدن، وتنفيذ رمايات تكتيكية بالذخيرة الحية، كما نفذت عناصر القوات الخاصة البحرية تدريبات على اقتحام السفن المشتبه بها، وتنفيذ حق الزيارة والتفتيش، وهو ما يؤكد أن سيد البيت الأبيض يريد هذه القوات ليخفف العبء عن ميزانية دولته، التي تنفق مليارات الدولارات شهريا على قوات كبيرة مرابطة في مناطق استراتيجية في الوطن العربي.

لكن السؤال الذي يُطرح بقوة: ما هي فرص نجاح الناتو العربي من الحلفاء المسلمين السنة، كما يحلو لإدارة ترامب تسميتهم؟

التحالف الذي يُتوقع الإعلان عنه رسميا خلال القمة الأمريكية - الخليجية التي تعقد خلال أيام في واشنطن، سيكون بمنزلة الحصن ضد الإرهاب والتطرف، مما يتبعه، بحسب المخطط الأمريكي، أن يجلب الاستقرار في الشرق الأوسط، ولذي يعني في مفهوم السياسي الأمريكي الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، الذي يقلقه جدا صعود التيار الإسلامي، لا الجهادي فحسب، بل حتى تيار الإسلام السياسي، وهو ما يستوجب العمل على مدركات الشعوب ومن ثم شيطنة التيار الإسلامي باتجاهاته كافة، وهو ما يفسر وجود خبراء أمريكيين في السعودية لتطوير التعليم، بالتزامن مع إنشاء مركز مكافحة التطرّف في السعودية؛ الذي يتدخل في ما يقدم في الإعلام وحتى المساجد، وهي التجربة التي تريد أمريكا تعميمها، إن نجحت، على باقي البلدان.

لكن بعد الخسارة الكبيرة للحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النواب الأمريكي، أصبح ترامب أقل قدرة ودعما من البرلمان لتمرير سياسته الخارجية، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على التحالف المنتظر، لكن فرص عدم نجاح ذلك التحالف يكمن في أعضائه أنفسهم. لقد فشل مجلس التعاون الخليجي مرارا وتكرارا في الاتفاق على قدرة دفاعية مشتركة، ولم تتمكن السعودية والإمارات حتى من شن حرب منسقة تحقق أهدافها في اليمن، لذا لا يوجد أي دليل يشير إلى أنه بإمكانهم الآن تنظيم شيء يرضي السيد في البيت الأبيض، ولا تل أبيب.