نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للباحثين شاران جريوال وشادي حميد، حول الطريقة التي تفاعلت به السلطات التونسية، بعد قيام امرأة في الثلاثين من عمرها بتفجير نفسها في شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس، مستهدفة بذلك التفجير الانتحاري "البدائي" رجال شرطة، بحسب التقارير.
ويشير الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن رد السلطات التونسية كان بمضاعفة نهج القهر في الحرب ضد الإرهاب، فبعد التفجير بساعات، اقترح رئيس البرلمان التونسي التسريع في قانون يمنح قوات الأمن حرية أكبر في عملياتها.
ويلفت الباحثان إلى أن مشروع القانون، الذي يحمل عنوان "قانون زجر الاعتداءات على الأمنيين"، مصمم لحماية القوات الأمنية من الهجمات، إلا أنه قد يمتد ليمنع انتقاد تصرفات تلك القوات بتجريم "تشويه سمعة" القوات المسلحة، ونشر الصحافيين أو أشخاص من داخل المؤسسة أي "وثائق أو بيانات أو معلومات" تتعلق بالأمن القومي.
ويفيد الكاتبان بأن هناك بندا آخر في مشروع القانون يسمح لقوات الأمن باستخدام القوة المميتة ضد المتظاهرين، وليس فقط دفاعا عن النفس، بل دفاعا عن الممتلكات والنظام العام، مشيرين إلى أنه "ليس غريبا أن منظمات حقوق الإنسان انتقدت مشروع القانون على أنه (يدعم ثقافة الإفلات من العقاب)".
ويقول الباحثان إنه "عادة ما تؤدي الهجمات الإرهابية إلى زيادة سلطات الشرطة باسم الأمن، وتونس ليست استثناء، ففي عام 2015، وبعد عملية فتح نار على شاطئ في سوسة، قام البرلمان التونسي بتمرير قانون مكافحة الإرهاب، الذي يسمح باحتجاز المشتبه بهم بالإرهاب دون توجيه تهمة ودون رؤية محام لمدة 15 يوما، وفي عام 2017، وبعد مقتل شرطي مرور ضغطت اتحادات الشرطة على البرلمان لتبني مشروع قانون (زجر الاعتداءات على الأمنيين)، وهددوا بالتوقف عن توفير الحراسة لزعماء الأحزاب إن لم يفعلوا ذلك".
وينوه الكاتبان إلى أنه في الوقت الذي تم فيه سحب مشروع القانون بسبب الانتقاد الدولي والمحلي له، إلا أنه الآن عاد إلى الأجندة بعد هجوم يوم الاثنين.
ويجد الباحثان أنه "مع أن الديمقراطيات معرضة للتجاوزات بعد الهجمات الإرهابية، إلا أن غموض مشروع القانون -بالإشارة إلى مصطلح (النظام العام) الفضفاض- هو أشبه بالأنظمة العربية الاستبدادية التي تصبو تونس الديمقراطية لتجاوزها".
ويرى الكاتبان أن "تونس اليوم تحتاج لمقاومة الشعور بضرورة منح قوات الأمن حرية أكبر في مكافحة الإرهاب، فمنذ عام 2013 أصبحت تكتيكات الشرطة أكثر تماديا، خاصة مع التونسيين الذين يبدون أنهم سلفيون، مثل الرجال ذوي اللحى الطويلة، وأعلنت المنظمة العالمية ضد التعذيب عن 631 حالة تعذيب في تونس، في الفترة ما بين عامي 2013 و2016، في الوقت الذي أبرزت فيه منظمة العدل الدولية استخدام القوة المفرطة والقيود التعسفية على السفر، وعادة ما يتم فرضها (بطريقة فيها تمييز بناء على المظهر، أو الممارسات الدينية، أو إدانات جنائية سابقة)".
ويعتقد الباحثان أن مثل هذه الانتهاكات من جانب الشرطة هي سبب للإرهاب في تونس، وليست حلا، فتوصلت دراسة للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية، حيث تمت مقابلة 83 إرهابيا في سجون تونس، إلى أن سبب تطرف 90% منهم كان قمع الدولة لهم، وحدد العديد منهم القيود على الممارسات والمنظمات السلفية التي فرضت بعد عام 2013، بأنها دافع أساسي نحو التطرف والعنف السياسي.
ويقول الكاتبان: "لا يحتاج الشخص للنظر إلى أبعد من التفجير الانتحاري الأخير ليرى أن قانونا يسهل اعتداء الشرطة سيأتي بنتائج عكسية، فمع أن دوافعها بالضبط غير معروفة، إلا أن التفاصيل تشير إلى إحباط بسبب قسوة الشرطة، فقامت المفجرة باستهداف الشرطة، وكانت قد شوهدت قبل ذلك بقليل في مظاهرة لأيمن عثماني، الشاب الذي قتل في إطلاق نار من رجال الجمارك الأسبوع الماضي".
ويشير الباحثان إلى أن "الميزانية المقترحة لعام 2019 تضع أولوية لزيادة ميزانيات وزارات التنمية الاقتصادية والتكوين المهني والتشغيل والصناعة والتجارة، بدلا من وزارة الداخلية، وهذا أمر تستحق تونس الإشادة لأجله، وعكس هذه الأولويات بعد هجوم الاثنين سيكون خطأ، وسيعني أن نكوص الديمقراطية في تونس يمثل أمرا أكثر خطورة، فالبطالة وقلة التطوير، وما يصحب ذلك من شعور نقص بالكرامة، لا تزال تسهم في التطرف في تونس".
ويذكر الكاتبان أن "المفجرة يوم الاثنين كانت حاصلة على بكالوريوس في التجارة واللغة الإنجليزية، لكنها لم تجد عملا على مدى أربع سنوات، باستثناء عمل مؤقت في الرعي، فمن المعقول أن يكون عدم تمكنها من إشباع طموحاتها الاقتصادية ساعد على استعدادها للانتحار".
ويقول الباحثان إنه "من السهل تفهم الرغبة في تمكين قوات الأمن بعد هجوم إرهابي، لكن مثل هذه السياسة ستأتي بنتائج عكسية، خاصة في وقت تجد فيه تونس نفسها عرضة لتقبل حكم الرجل القوي، فبحسب استطلاع (أفروباروميتر) عام 2018، فإن 47% من التونسيين يؤيدون أو يؤيدون بشدة الحكم العسكري. فيجب على تونس أن تبقى منتبهة إلى حماية المكاسب الديمقراطية، خاصة في غياب أي دليل على أن التخلي عنها سيساعد بالفعل على مكافحة الإرهاب".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول: "سيكون من الأفضل لتونس أن يكون رد فعلها على الهجوم إصلاحات في قطاع الأمن، وزيادة الرقابة على إساءة تصرف الشرطة، وهذا يتماشى مع طموحات تونس الديمقراطية، وسيساعد أيضا على تخفيف حدة أحد أكبر المظالم، التي يبدو أنها تدفع بعض التونسيين خطوة أقرب إلى العنف".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)