تسبب تأجيل بدء تطبيق مشروع التأمين الصحي بمصر في محافظات (السويس والإسماعيلية وجنوب سيناء) كمرحلة أولى، واقتصاره على محافظة بورسعيد فقط، تساؤلات حول جاهزية المنظومة الصحية في تطبيق القانون، الذي واجه انتقادات كثيرة من قبل خبراء ومنظمات الصحة.
وأطلقت الحكومة المصرية المرحلة الأولى لتنفيذ المشروع القومي للتأمين الصحي، الجمعة، الذي يتضمن خطوات وإجراءات تمهيدية على فترات وجدول زمني محدد في محافظة واحدة فقط بدلا من أربع محافظات شملها القانون.
وأثارت الفقرة الأخيرة من الإجراءات التمهيدية لإطلاق المشروع، والتي نصت على الانتهاء من تجهيز وميكنة محافظة بورسعيد من حيث الإنشاءات والتجهيزات وإعداد القوى البشرية وحصر وتسجيل المنتفعين خلال عام، تساؤلات حول موعد بدء خدمة التأمين الصحي الحقيقية بمطالبة المواطنين بتسجيل أنفسهم للاستفادة منها، ما يعني أنها غير موجودة على أرض الواقع.
منظومة مهترئة
وكانت وزارة الصحة أعلنت العام الماضي بدء تطبيق القانون منتصف 2018 في أربع محافظات كمرحلة أولى، على أن يتم تطبيقه بجميع المحافظات خلال 12 سنة، وبحد أقصى 15 سنة، بتكلفة 140 مليار جنيه، للقضاء على أكثر من 80% من المشكلات الموجودة في القطاع الصحي والطبي.
ويعاني المصريون من اهتراء منظومة الصحة؛ بسبب انهيار الخدمات في المستشفيات الحكومية البالغ عددها نحو 660 مستشفى على مستوى الجمهورية، وفق الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في 2015، وتواجه تلك المستشفيات مشكلات مالية وإدارية وصحية ودوائية.
وبلغ الإنفاق على الصحة في موازنة العام الماضي 54.9 مليار جنيه فقط، وهي تعادل 1.34% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي أقل من النسبة التي نص عليها الدستور في 2014، البالغة 3%، وترتفع سنويا حتى تصل إلى 6% و 8% للوصول إلى المعدلات العالمية.
ولادة متعثرة وغموض بالتطبيق
وقال مدير المركز المصري للحق في الدواء، محمود فؤاد، لـ"عربي21"، إن "إطلاق المشروع جاء بعد ولادة متعثرة بعد سنوات من الانتظار"، مشيرا إلى أنه "من الناحية النظرية هو مشروع جيد، لكنه ليس الأفضل، ويبنى عليه فيما بعد، خاصة إذا علمنا أن نصف المصريين ليس لديه تأمين صحي".
وكشف عن وجود مطالب بتأجيل اطلاق المشروع، قائلا: "طالبت بتأجيل المشروع ريثما تستعد المستشفيات من خلال عمل محاكاة تجريبية لاكتشاف مدى جاهزية المنظومة، فماذا يعني بناء مستشفى لكنها خالية من الإمكانيات والطبيب المتدرب؟ فتغيير لافتات المستشفى من مستشفى عام لمستشفى تأمين صحي ليس هو الحل".
واستدرك قائلا: "لكن يبدو أن مطالبات التأجيل أزعجت البعض؛ لذلك خرج بيان من الرئاسة يعلن انطلاق مشروع التأمين الصحي، لكنه مشوب بالغرابة؛ إذ تحدث عن أشياء ليست لها علاقة بالتأمين الصحي، مثل القضاء على قوائم الانتظار للمرضى بالجراحات، والتدخلات الطبية الحرجة، والمسح والعلاج الشامل لفيروس سي، والأكثر غرابة حصر وتسجيل المنتفعين خلال عام، فهل يعني تم تأجيل المشروع مع أنه أعطى إشارة البدء؟".
اقرأ أيضا: خبراء: برنامج حكومة السيسي حماية للدولة من المواطنين
وأشار إلى أن أهم انتقاد للقانون الجديد هو "قيمة الاشتراكات المبالغ فيها، حيث إن مبلغ التأمين الصحي كان يخصم في السابق من المرتب التأميني، أما الآن فأقل تأمين يبلغ 400 جنيه السؤال"، متسائلا: "هل الحكومة جاهزة لتقديم ثمن هذه الخدمة للمواطنين؟".
انتقادات للمشروع
وتعرض مشروع القانون لانتقادات بالغة من قبل لجنة الحق في الصحة "حكومية" الذي يُحمِّل المواطنين تكلفة عالية، وتخلي الدولة عن تحمل تكلفة التأمين الصحي على الأطفال والطلاب، وتحمّلها لولي الأمر، لافتة إلى أن القانون به عيوب كثيرة تُجهض فكرة الرعاية الصحية التأمينية الاجتماعية الشاملة.
كما انتقدت نقابة الأطباء المشروع واعتبرته لا يوفر علاجا كريما للمرضى أو حقوقا للأطباء، وجاء على لسان الأمين العام المساعد لنقابة، منى مينا، في تصريحات سابقة، أن القانون كسر الأمان بفرض مساهمات عند طلب التحاليل وصور الأشعة، وكذلك فرض مساهمات عند الحجز بالمستشفيات.
مخاوف الخصخصة
وفي هذا الصدد، شكك الأمين العام المساعد السابق لنقابة الأطباء، رشوان شعبان، في قدرة المستشفيات العامة بشكلها الحالي على التحول إلى مستشفيات تأمين صحي، قائلا: "المشكلة في التأمين الصحي عدم وجود البنية الأساسية المتمثلة في طبيب الأسرة الذي سوف يفرز الحالات ويرسلها للتخصصات الأخرى".
مضيفا لـ"عربي21" أن "هذا التخصص يكاد يكون منعدما، كما لا بد من وجود عيادات طب أسرة لتحويل المرضى، لكنّ هناك غموضا في كيفية عملية التحويل"، معربا عن مخاوفه من أن "يصبح المشروع بابا للخصخصة".
اقرأ أيضا: ماهي دلالات الاستقالات الجماعية بنقابة أطباء مصر؟
وتابع بأن "الخصخصة تأتي من حاجة المشترك إلى خدمة بجودة جيدة، لكن الخدمة في مستشفيات القطاع الحكومي لا تزال دون المأمول، ولا ترضي المريض؛ ما يترتب عليه توجه المريض للقطاع الخاص، ومن ثم قد تباع تلك المستشفيات أو تشترك مع القطاع الخاص لتقديم جودة أفضل".
وأعرب عن اعتقاده بأن "هناك مبالغة في قيمة الاشتراكات، خاصة للفئات الفقيرة مثل أصحاب المعاشات، حيث تصل أقل نسبة اشتراك 4% من قيمة الحد الأدنى للأجور، وأن العامل سيدفع لنفسه ولزوجته غير العاملة وعلى أبنائه؛ ما يشكل تكلفة عالية على الفئات الأكثر فقرا".
فشل بأول مشروع له كوزير.. هل ينجح مدبولي بالعاصمة الإدارية؟
وزيرا دفاع وداخلية السيسي.. أدوار مشبوهة (إنفوغرافيك)
لماذا لم يعد السيسي يخاف من غضب الشعب؟.. خبراء يجيبون