بمصادقة مجلس الوزراء على مشروع القانون المتعلق بإنشاء الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية، وإحالته إلى البرلمان لمناقشته، تكون ساعة الحسم قد دقّت، وبدأت الأمازيغية تواجه أخطر امتحان لها منذ بدء المطالبة بترسيمها قبل عقود.
في البداية نسجّل ارتياحنا لحرص مجلس الوزراء على التدقيق في مهام هذه الهيئة الجديدة، فهي ستتولى “جمع الرصيد الوطني للغة الأمازيغية بكل تنوُّعاتها اللسانية، وتوحيدها على كافة مستويات الوصف والتحليل اللساني، وكذا إعداد قاموس مرجعي لها”.
ويعني هذا أن مجلس الوزراء قد استفاد من تجربة “المحافظة السامية للأمازيغية” التي أنشِئت على عجل في 27 ماي 1995، لاحتواء “إضراب المحفظة” الشهير، وسيطرت عليها تشكيلة تمجّد كتابة هذه اللغة بالحرف اللاتيني وحده، وكان ذلك أحد أبرز عيوبها.
اليوم، يبدو أن السُّلطات قد تفطّنت إلى هذه النقطة من خلال تركيزها على مسألة “جمع الرصيد الوطني للغة الأمازيغية بكل تنوُّعاتها اللسانية”، ما يعني أن تشكيلة الأكاديمية الجزائرية للغة الأمازيغية التي تضمّ 50 عضوا من أبرز خبراء اللسانيات، ستكون متنوِّعة وستراعي تمثيل شتى أمازيغ الجزائر بشكل يحقق التوازن بين مختلف جهات الوطن.
وستكون مهمّة هؤلاء الخبراء اللغويين هي جمع الرصيد اللغوي لشتى اللهجات الأمازيغية المنتشِرة عبر الوطن في قاموس واحد، وبعدها تبدأ المرحلة الأصعب، وهي وضع مصطلحاتٍ جديدة في مختلف العلوم والمعارف والآداب والفنون وشؤون الحياة اليومية لإثراء الأمازيغية حتى تواكب اللغات الأخرى، وهذا بلا شك امتحانٌ عسير وحقيقي تواجهه هذه اللغة التي يريد أهلُها إنقاذَها من خطر الاندثار وتطويرها لتنافس باقي اللغات؛ إذ ليس من السهل وضعُ عشرات الآلاف من المصطلحات في شتى العلوم والتخصُّصات والمعارف المتشعِّبة، وسيحتاج الأمرُ إلى جهدٍ ضخم وسنواتٍ من العمل الجادّ المستمرّ وكثيرٍ من الاجتهاد والابتكار، قبل جمْعها في قواميس متخصصة وتدريسها ونشرها في كل ربوع الوطن…
ولا ريب أنّ مسألة الحرف الذي ستُكتب به الأمازيغية ستُطرح بشدَّة فور شروع الأكاديمية في عملها، وستكون هناك صراعاتٌ محتدمة بين أنصار كتابتها بالحرف العربي وأنصار الحرف اللاتيني وكذا التيفيناغ، والحلّ إما أن يكون بالتصويت بين أعضائها وحسم الصراع بالأغلبية، أو من خلال الإبقاء على الوضع الراهن؛ أي كتابتها بالحروف الثلاثة ومن ثمَّة وضع “قاموس مرجعي” لها بهذه الحروف جميعا، وترْك الحرية للمواطنين لدراستها بالحرف الذي يناسبهم، وهو حلٌّ توفيقي يمنع الأكاديمية من الانفجار ويضمن استمرار التعاون بين أعضائها عوض الغرق في جدلٍ وصراعات لا طائل منها، وإن كنّا نفضّل اعتماد الحرف العربي في كتابتها كما فعل أجدادُنا الأمازيغ قبل قرون؛ فهو الأقربُ إليها، والأقدرُ على التعبير عن حُمولتها الصوتية المتقاربة مع اللغة العربية، واعتمادُه سيكفل احتضان الجزائريين لها خلافاً للحرف اللاتيني.
الشروق الجزائرية