طُرحت فكرة الذهاب إلى الانتخابات العامة كبديل عن المسار السياسي التفاوضي وكحل للجمود الذي اعترى العملية السياسية، وهذا هو الخيار الذي يراهن عليه المبعوث الأممي غسان سلامة، فقد جعله من ضمن مقاربته لتخطي الواقع المأزوم، فصارت هذا المقاربة محل توافق دولي ومدعومة من الأمم المتحدة.
وبرغم معارضة قطاع من الساسة والنشطاء، إلا أن الذهاب للانتخابات أصبح بديلا مقبولا، لدى كثيرين، باتوا يعتقدون أن الانتخابات قد تحسم الخلاف الراهن وتخرج البلاد من حالة الجمود والتردي السياسي والاقتصادي والأمني.
البديل طُرح على أساس التزامن أو التتابع المباشر بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية، ولأنه واقع لم تعرفه التجربة الليبية منذ عقود، ولأنه فُرض لمجابهة الأزمة الليبية في طورها الجديد، فيمكن أن يواجه عراقيل قد تصيبه بجمود مماثل للجمود على مسار الحوار.
بالتقصي البسيط لمواقف أطراف النزاع سنجد أن المجلس الأعلى للدولة يرفض الذهاب للانتخابات قبل الاستفتاء على الدستور، وفي الموقف منطق لا ينكره حتى المعارضون، إذ إن انتخاب رئيس وانتخاب حكومة يتطلب توضيحا وفصلا دستوريا لصلاحياتهما يكون المرجع في حال وقوع صدام في ممارسة السلطات.
بينما الصوت الأعلى لأعضاء البرلمان يتضمن رفضا للمسودة الحالية ويعرقل إحالتها للاستفتاء، والأسباب معروفة فقد أسهب أصحابها في عرضها في مناسبات عدة وليس هنا الوقت الملائم لاستعراضها ومناقشتها.
المواقف المتصادمة بين الطرفين في ما يتعلق بالانتخابات ستكون سببا في جدل واسع وإطالة عمر التجاذب، وأعتقد أن هناك اتجاها لانسداد في هذا المسار سيكون شبيها للانسداد الذي وقع على مسار الحوار والتفاوض الذي انطلق في تونس وفشل في الوصول إلى توافق بين المتنازعين.
أقول إنه في حال استنفدت كل الخيارات لتحريك العملية السياسية عبر التفاوض، وتم التعويل على الانتخابات، فإن المجلس الأعلى للدولة يمكن أن يتجه إلى رفض المزاوجة بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية، وقد يختزل خياره في انتخابات برلمانية تفرز حكومة فقط.
هذا الخيار لا يمكن أن يكون مقبولا للبرلمان، وقد كان هذا مضمون تصريحات رئيس لجنة الحوار عن البرلمان السيد عبد السلام نصية، منذ يومين، وهو أيضا الموقف الذي تتبناه الشخصية الأكثر نفوذا في المنطقة الشرقية، المشير خليفة حفتر.
والحقيقة التي تترسخ في أذهان كثير من الليبيين أن موانع التوافق وأسباب إطالة الأزمة واستمرار النزاع إنما ترجع في أهم دوافعها إلى مصالح شخصية لعناصر متنفذة في المشهد السياسي، ونزعات جهوية وقبلية وحزبية معروف من يتبناها، وولاءات لأشخاص معدودين بات الولاء لهم أكبر من الولاء للوطن وأهم من مصالح الناس، لتكون في مجموعها بمثابة "وضع العصا في الدولاب".
أمام هذا الوضع المتأرجح والمنغلق سياسيا، فإن التفاؤل بأن عام 2018 هو عام الانفراج والاستقرار سيتلاشى وسيكون ذلك سببا لإحباط عام وتعميقا لمعاناة الناس وربما يدفع إلى فوضى واسعة سيكون الساسة هم المسؤولون عنها، في نظر الرأي العام، باعتبار أن أغلبية الليبيين ترى أن السبب الرئيسي في الأزمة الراهنة هم الساسة.
وهنا أقف منبها ومحذرا، وليس محرضا كما يروج بعض من يجيدون الاصطياد في الماء العكر، فالمعاناة شديدة والاعتقاد السائد عند جمهرة واسعة أن سببها ومن يكرس وجودها ويصر على استمرارها هم من يتصدرون المشهد السياسي هنا وهناك، ووفقا لهذا التحليل فالمسؤولية يتحملها هم قبل غيرهم.