بعد أيامٍ قليلة من التصريح المثير الذي أدلى به وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لمجلة “ذو أتلنتيك” الأمريكية، وقال فيه “إن لليهود حقا في العيش على جزء من أراضي أجدادهم” في فلسطين، أبى رئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم إلا أن يدعمه بالقول إنه “على قناعةٍ تامة منذ سنوات طويلة بأن للإسرائيليين الحق في أن يعيشوا في أرضهم بأمان”؟!
هذا “التسابق” المحموم بين حكام عرب حاليين وسابقين على
إطلاق مثل هذه التصريحات المدوّية والخطيرة، يؤشّر لإقبال المنطقة على زلزال عنيف
وغير مسبوق قد تكون له عواقب وخيمة على القضية الفلسطينية، أليس الاعترافُ
للمحتلين الصهاينة بـ”حقهم” المزعوم في العيش على “أراضيهم؟” ضوءا أخضر لهم للقيام
بنكبةٍ ثانية بحقِّ من تبقى من الفلسطينيين بأراضيهم إذا أصرّوا على رفض “صفقة
القرن”؟
لا نعتقد أن أشدَّ المتابعين للوضع العربي تشاؤما كان
يعتقد قبل سنوات قليلة أنه سيأتي يومٌ وينتقل فيه العرب من خذلان القضية
الفلسطينية وإدارة الظهر لها وترك الفلسطينيين يواجهون التنكيل الصهيوني اليومي
وحدهم، إلى مرحلةٍ أخرى يصرِّح فيها بعض قادتهم وزعمائهم بأن لليهود “الحق في
العيش بأراضي أجدادهم؟!” كما سموها، أليس هذا تبنّيا كاملا لوجهة النظر الصهيونية
بعد 70 سنة من احتلال فلسطين؟! ما الذي حدث طيلة هذه المدة حتى يغيّر بعض العرب
مواقفهم، وينتقلوا من محاربة الكيان الصهيوني بجيوشهم النظامية، إلى خذلان القضية،
ثم إلى الاعتراف للعدوِّ بـ”شرعية” احتلاله لفلسطين ووصفها بـ”أراضي أجداده”؟!
اليوم آن لترامب أن يفرك يديه فرحا بمثل هذه التصريحات
المتتالية التي تمثل بداية انقلاب جذري في المواقف العربية، الآن فقط يمكنه
استئنافُ إعداد الطبخة الخاصة بـ”صفقة القرن” التي اضطرّ إلى تجميدها منذ أسابيع
بسبب الإجماع الفلسطيني على رفضها، فما دام بعض العرب قد بدأوا يتسابقون إلى إطلاق
مثل هذه التصريحات الخطيرة، فإن الوقتَ مناسب ليقبلوا بـ”صفقة القرن” ويمارسوا
بأنفسهم ضغوطا كبيرة على عباس للخروج من “أرض اليهود” والقبول بـ”دولة فلسطينية”
على غزة وجزءٍ من أراضي سيناء، ومن ثمّة وضع نقطة نهاية للصراع بتصفية القضية
الفلسطينية إلى الأبد وفق ما يشتهيه نتنياهو وترامب!
لكن عزاءنا ونحن نتابع هذه التصريحات المؤلمة، أن مصير
فلسطين يصنعه الفلسطينيون أنفسهم وليس ترامب أو نتنياهو أو قادة التخاذل
والتطبيع.. مصير فلسطين تصنعه فصائلُ المقاومة وستبقى ثابتة مهما تعرّضت للحصار وحملات
التشويه والشَّيْطنة، ويصنعه شعبُها الثابت المقاوِم الذي يزحف بالألوف على سياج
الاحتلال في مسيرات العودة الكبرى لا يرهبه الرصاص والموت.. لقد قالها الطفل محمد
عياش الذي اشتهر بقناعه و”بَصْلته”، مدوِّيةً للصهاينة ولكل حكام المنطقة الذين
أغرتهم “صفقة القرن” المزعومة: “خرجتُ في مسيرة العودة الكبرى لاستعادة أرضي وأرض
أجدادي وذكريات عائلتي.. لا أخشى جنود الاحتلال الجبناء برغم أسلحتهم وقنَّاصتهم،
فهؤلاء لا حقَّ لهم في فلسطين”!
رُفعت الأقلامُ وجفّت الصحف.
الشروق الجزائرية