يبدو أن السلفيين المداخلة في الجزائر، وفي مختلف بلدان العالم أيضا، قد أصبحوا يفكّرون بمنطق “من ليس معي فهو ضدّي”، لذلك لم يعودوا يتحرَّجون من إقصاء شتى الفِرق الإسلامية المخالِفة لهم من دائرة أهل السُّنة والجماعة، وحصْرِ ذلك في فرقتهم وحدها والادِّعاء بأنها هي “الفرقة الناجية” التي تحتكر الحق وتدخُل الجنة، وما عداهم من فِرق “أهلُ ضلالٍ وبِدع وأهواء”!
ما معنى أن يطعن الشيخ فركوس في شتى الفِرق الإسلامية المعروفة كالأشاعرة والصوفية والإخوان المسلمين وجماعة الدعوة والتبليغ، بل حتى السلفية التي ترفع رايات الوطنية والحزبية.. ويحكم عليها بالخروج من دائرة أهل السُّنة والجماعة؟! من أعطاه الحق في إقصاء الآخرين والزعم –ضمنيا- بأنَّ الفرقة التي ينتمي إليها هي فقط من تنتسب إلى السُّنة وتحتكر الحق؟! إذا لم يكن الإخوان والتبليغ والصوفية والأشعريون وغيرُهم.. من أهل السُّنة والجماعة، فإلى من ينتمون إذن؟!
إنها قمّة الشطط والغلوّ ورفض الآخرين الذين لا يحملون القناعاتِ والأفكار نفسها والتشنيع عليهم وبخسهم حقهم وإنكار كل فضلٍ لهم على الأمة.. هو منطقٌ احتكاري يمارس الوصاية على السُّنة الشريفة ويدّعي احتكار تمثيلها، وينكر على شتى فِرق المسلمين حقّها في الاختلاف..
تُرى أين المصلحة في تقسيم الأمة إلى سلفيين مداخلة ينتمون وحدهم إلى أهل السُّنة والجماعة، وباقي الفِرق التي لا تنتمي إليهم كما يزعم شيوخ هذا التيار؟ ما الذي يمكن أن تجنيه الأمَّة من هذه التصنيفات الإقصائية الاتهامية والعدائية غير تغذية الفتن والانقسامات والاصطفافات التي لا تزيد المسلمين إلا تباعدا وتدابرا وتباغضا وعداوات مجانية؟
الأمة الإسلامية الآن تعيش أسوأ أحوالها، وتعاني الكثير من الأمراض التي جعلتها في ذيل ترتيب أمم العالم، وفي مقدمتها الفقر والجهل والتخلف واستبداد الحكام والخلافات القُطرية والاضطرابات والفتن الطائفية والمذهبية، وتغوّل الاحتلال الصهيوني الذي ابتلع فلسطين ووضع يده على المقدّسات، وانحياز أمريكا والقوى الكبرى إليه… وعوض أن يفكّر علماء الأمة وفقهاؤُها في كيفية المساهمة في إنقاذها وانتشالها من براثن التخلف والفوضى والفتن، وهو أحد أهمّ واجباتهم، أصبحوا يساهمون في تعميق انقساماتها وضعفها من خلال مثل هذه التصنيفات التي لا فائدة تُرجى منها ولا تزيد عامّة المسلمين إلا ارتباكا وحيرة.
ماذا كان يضرُّ الشيخَ فركوس لو احترم حق كل فرقةٍ من الفرق الإسلامية، القديمة والحديثة معا، في الاختلاف والتمايز وغلّب لغة التعايش ومنطق “لكم دينكم ولي دين”، وترك أمرَ الجميع إلى الله؛ فهو وحده “أعلمُ بمن اتقى”؟!
ختاما، ندعو عامَّة المسلمين، وهم السواد الأعظم من هذه الأمة لحسن الحظ، إلى أن يواصلوا النأي بالنفس عن هذه التصنيفات المقسِّمة لصفوف الأمة الواحدة.. لا تكترثوا بمن يقول: نحن سلفيون أو نحن إخوانٌ أو صوفية أو أشاعرة… واكتفوا بالقول: نحن مسلمون وكفى.
الشروق الجزائرية