صحافة دولية

فورين أفيرز: ما هي فرص عودة تنظيم الدولة من جديد؟

فورين أفيرز: فرص عودة تنظيم الدولة قوية طالما لم تقم دول غير طائفية- أ ف ب

نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا لكل من بنجامين باهني وباتريك جونستون، حول المرونة التي يتمتع بها تنظيم الدولة، التي قد تمكنه من العودة إلى الواجهة مرة أخرى. 

 

ويقول الكاتبان إنه "بعد ثلاث سنوات من الحرب ضد تنظيم الدولة، وبجهود مقاتلين عراقيين وأكراد، ودعم 80 بلدا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، كان يحق لرئيس الوزراء العراقي أن يقول إن (حلم التحرير أصبح حقيقة)، عندما أعلن الانتصار على تنظيم الدولة".

 

ويستدرك الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، بأن "الانتصار ليس كاملا؛ وذلك ليس فقط بسبب هجمات الذئب الوحيد، ولا عودة المقاتلين الأجانب إلى بلدانهم من سوريا والعراق، واستمرار عمل التنظيم في أماكن أخرى، ومع أن تلك الأمور مقلقة، إلا أن هناك سيناريو أخطر يستحق الانتباه، وهو إمكانية أن يستطيع تنظيم الدولة بعث نفسه من جديد في مكان ولادته في العراق وسوريا، وكان التنظيم يخطط لمثل هذا منذ عام 2016 قبل هزيمته في الرقة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر".

 

ويرى الكاتبان أن "الذي يخيف أكثر هو أن لدى تنظيم الدولة تجربة في إعادة بعث الذات من شبه الموت الكامل، فقبل عدة أعوام استطاع أن يبعث نفسه بعد ما بدا أنه هزيمة، ويجب أن يكون تاريخ ذلك البعث تحذيرا لما قد يكون قادما".

 

ويشير الكاتبان إلى أن "ما يسمى تنظيم الدولة اليوم أسسه أبو مصعب الزرقاوي عام 2003، (وحمل التنظيم أسماء مختلفة في مراحل مختلفة من عمره)، وتم تغيير شكل التنظيم بحسب الحاجة منذ ذلك الحين: من حركة جهادية ناشئة تحت الأرض، إلى تمرد ثوري ثم إلى دويلة، وبعد ذلك إلى شبه دولة توسعت حدودها في سوريا والعراق، لكن هذه التغيرات لم تكن خطية، حيث تمدد تنظيم الدولة وتقلص بحسب الظروف، إلا أنه بقي يسعى إلى الهدف ذاته، وهو إعادة (الخلافة)، ويتقلص التنظيم ثانية بعد أن خسر عاصمتيه في الموصل وفي الرقة، لكن أهدافه الاستراتيجية لم تتغير".

 

ويلفت الكاتبان إلى أن "قيادات التنظيم قارنت في تصريحات لها مؤخرا بين وضع التنظيم الآن ووضعه عام 2008، عندما لجأ التنظيم إلى حرب العصابات والإرهاب، فهيأ الآرضية لسيطرته على الأراضي في سوريا والعراق بعد أقل من خمس سنوات، كما تشير الوثائق الإدارية والمذكرات الداخلية، التي تم العثور عليها بعد أن تمكن برنامج الصحوات من التخلص من التنظيم في وسط العراق وغربه، وهرب بقية أعضاء التنظيم واختفوا تحت الأرض إلى الموصل ومحيطها، ومع أنهم اضطروا للاختباء، إلا أنهم استخدموا منطقة الموصل قاعدة للتجنيد وتمويل الخلايا في أنحاء العراق". 

 

ويذكر الكاتبان أن "تنظيم الدولة قام بنشر جهازه الأمني (أمنيات) ليغتال معارضيه السنة- خاصة من الصحوات والشرطة، الذين هددوا أمن عمليات التنظيم وسيطرته على سياسة السنة العرب، وعمل التنظيم على محاولة استيعاب السياسيين السنة في منطقة الموصل وبغداد بوعده التخفيف من العنف ضد قطاعات الاقتصاد المهمة، مقابل الدعم المالي والسياسي".

 

ويبين الكاتبان أن "هذه العوامل كلها عملت من أجل هدف أساسي هو: إشعال الصراع السني الشيعي، ليرى السنة في تنظيم الدولة أملهم، بالإضافة إلى أن الذراع الأمني للتنظيم قام بإرهاب المنافسين المحليين والأعمال لمساعدة التنظيم على إعادة بناء إمكانياته، وحرضت الحكومة العراقية، التي يسيطر عليها الشيعة، والمصابة بالبارانويا، بأن تبالغ في رد الفعل لشبح التهديد الإرهابي السني، وبذلك أعاد التنظيم إشعال الحرب الطائفية، التي ساعدت على قيام التنظيم في الأصل بعد الغزو الأمريكي عام 2003، وعندما قضت غارة أمريكية عراقية عام 2010 على مجموعة من كبار قيادات التنظيم، قام أبو بكر البغدادي بالاستمرار في استراتيجية التنظيم، في الوقت الذي كان يعمل فيه تحت الأرض بالقضاء على المنافسين وبناء قوة التنظيم البشرية، بمساعدة السجناء على الهروب من السجن، وعندما بدأ الربيع العربي، وتنامى الاضطراب المدني عام 2011 و 2012 قام التنظيم بإرسال عملائه إلى سوريا لتأسيس قاعدة عمليات جديدة، فأصبحت الأرضية مهيأة للاستيلاء السريع لتنظيم الدولة عام 2014على مساحة واسعة من الأرض تساوي مساحة بريطانيا".  

 

ويقول الكاتبان: "الآن، وبعد أن حققت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة هدفها الرئيسي، فإن تنظيم الدولة يواجه تحديات صعبة في كل من العراق وسوريا، فهو يفتقر إلى القوة العسكرية التقليدية وإلى القوة البشرية؛ بسبب الاقتتال الداخلي وموجات الاستسلام".

 

ويستدرك الكاتبان بأن "تنظيم الدولة استطاع في الماضي تجاوز تحديات شبيهة في أواخر العقد الأول من الألفية الثانية، فبالرغم من خسارته للمناطق التي يسيطر عليها كلها تقريبا، فإنه لا يزال يملك كادرا ملتزما جدا في صميمه، بما في ذلك عناصر في جهازه الأمني، بالإضافة إلى إدرايين ذوي خبرة، يشكلون عامل تماسك للتنظيم من الرأس إلى القاعدة". 

 

وينوه الكاتبان إلى أن "التنظيم لم يضع وقتا في تحوله من (خلافة) إلى الإرهاب والتمرد، وبدأت هذه الحملة الجديدة تؤتي أكلها، فنجح التنظيم في شن هجمات في مناطق كان قد أعلنها التحالف الذي تقوده أمريكا مناطق محررة، مثل الفلوجة والرمادي، وفي مناطق لم يسيطر عليها التنظيم حتى في ذروته، مثل بغداد ومحافظة ديالا، وكما فعل في 2010 فإن التنظيم يحاول أن يجعل الحكومة تقوم بحملة ضد العرب السنة، قاعدة التنظيم للتجنيد وقاعدة شرعيته السياسية". 

 

ويفيد الكاتبان بأنه "عندما أعلن التنظيم عن قيام (الخلافة) عام 2014، قال التنظيم إن استراتيجيته هي (البقاء والتمدد) أما استراتيجيته الجديدة فهي أقرب إلى التعافي، وفي الوقت الذي سيستمر فيه بعض مقاتليه بالفرار من سوريا والعراق، إما للانضمام إلى فروع أخرى في آسيا وأفريقيا، أو للعودة إلى بلادهم، فإن آخرين سيبقون بهدف استغلال فرص الإرهاب والتمرد، وفي هذه المناطق، حيث يمتلك التنظيم معرفة وشبكات معلومات محلية، تمنحه فرصة أفضل لإعادة التسلل إلى ألمساحات الرئيسية والعمل بشكل سري". 

 

ويجد الكاتبان أن "هناك عوامل رئيسية ثلاثة يعتمد عليها نجاح التنظيم في بعث نفسه من جديد: نوعية الحكم والقيادة الشرعية للعرب السنة في المناطق السنية، والاستمرار في السياسات الطائفية التي تسيطر عليها المجموعات الشيعية، وإمكانيات المؤسسات في بدء إعادة بناء المناطق ذات الغالبية السنية، التي دمرت خلال الحرب على تنظيم الدولة، وكان سبب عودة تنظيم الدولة في المرة الماضية في العراق هو مزيج من الفساد السياسي المحلي والإهمال والتمييز من الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة، أما في سوريا فإن التحديات الأمنية ستتلاشى في الوقت الحاضر؛ لأن الكثير من مقاتلي التنظيم فروا الى مناطق آمنة في الصحراء، لكن إن ظهر الفراغ الأمني مرة أخرى -وهو احتمال واقعي بسبب القائمة المعقدة للقوى في الحرب الأهلية السورية- وإن بدأ التحالف الكردي بالتحلل، يمكن للكثير من أولئك المقاتلين العودة بسرعة".  

 

ويرى الكاتبان أن "إمكانية القضاء على تنظيم الدولة نهائيا تعتمد على العراقيين والسوريين، لكن مع ذلك فإن هناك دورا مهما للاعبين الخارجين، فمع أن العمليات العسكرية الكبيرة من الآن فصاعدا لن ينتج عنها سوى القليل، إلا أن بإمكان أمريكا وحلفائها مساعدة العراق على بناء إمكانياته في مجالي الأمن والمخابرات اللازمة للقضاء على التمرد والمجموعات الإرهابية، بالإضافة إلى أنه يمكنهم أيضا المساعدة في تعطيل القيادة الدولية لتنظيم الدولة باعتراض اتصالاته البشرية والإلكترونية في العراق".

 

ويخلص الكاتبان إلى القول إن "وجودا عسكريا أمريكيا دائما في العراق سيساعد على إبقاء الحملة الاستخباراتية ضد قيادات التنظيم، الذين اختفوا تحت الأرض في العراق وسوريا، بالإضافة إلى أن ذلك الوجود سيوازن التأثير الإيراني في الشؤون الأمنية العراقية، التي قد تساعد في منع وقوع موجة طائفية أخرى ضد السنة في بغداد، والأهم هو تحقيق دولة عراقية غير طائفية؛ لضمان عدم نجاح تنظيم الدولة في بعث نفسه من جديد".