نشرت مجلة "ذا أتلانتك" مقالا للباحثين روبرت مالي وستيفين بومبر، يقولان فيه إنه بين فينة وأخرى ينشر شيء تعلم أنه يجب عليك أن تعرفه، لكنك لا تريد أن تعرفه.
ويشير الباحثان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الصحافية الاستقصائية عظمة خان وزميلها الصحافي أناند غوبال نشرا تحقيقا رائدا في المجلة التي تصدر عن صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "غير المحسوبين"، حول أعداد المدنيين الذين قضوا في الحملة الأمريكية ضد تنظيم الدولة، والفرق الكبير بين الأعداد التي يقرها البنتاغون والأعداد الحقيقية.
ويعلق الكاتبان قائلين: "لا نستطيع الحديث عن إحصائيات دقيقة، لكن نستطيع القول إن عائلة رازو، التي كانت لب التحقيق الصحافي تشكل مثالا لقصة أكبر لسوء الحظ".
ويلفت الباحثان إلى أن "باسم رازو كان أحد أفراد عائلة من أعرق عائلات الموصل، ويروي التحقيق الصحافي المذكور كيف أفاق باسم عندما هدم البيت عليه وعلى عائلته وهم نائمون، بعد أن استهدفته قنبلة أمريكية، ومع أن باسم رازو نجا إلا أن زوجته وابنته توفيتا في الغارة، كما يوثق الصحافيان للتحقيق الذي قام به رازو ليعرف لماذا استهدف بيته، حيث اكتشف أن بيته استهدف عمدا، فقد رصدته الطائرات الأمريكية دون طيار لمدة ثلاثة أيام قبل قصفه، بناء على تقارير قديمة بأن البيت مركز قيادة لتنظيم الدولة، وفشل تصوير طائرات التجسس في تأكيد أو نفي تلك التقارير، وهذا على ما يبدو كان كافيا للجيش الأمريكي ليوجه الضربة".
ويعلق الكاتبان قائلين إن "هذه القصة تبين كيف تؤدي المعلومات الخاطئة إلى افتراضات خاطئة وتقتل المدنيين وتغضب الناجين، بالإضافة إلى أنها قصة تعكس كيف تجعل الضبابية البيروقراطية والقانونية من شبه المستحيل الكشف عن الأخطاء المأساوية التي ترتكب، ما يترك شعورا كاذبا بالارتياح بأن مثل تلك الأخطاء لم تقع نهائيا، إنها قصة تتعلق بسياسة تبرر نقاشا صادقا وتغييرا، وقد عمل كلانا في تلك السياسة عن كثب، ففي عهد أوباما كان أحدنا مسؤولا عن حقوق الإنسان، والآخر ينسق الحملة ضد تنظيم الدولة، وفي هذا الصدد كنا جزءا من إدارة كانت مقصرة".
ويقول الباحثان: "يجب إيضاح نقطتين؛ الأولى هي أن الجيش الأمريكي فيه ضباط من المستويات كلها حريصون على حماية الأبرياء، بالإضافة إلى أن الرئيس أوباما ومستشاريه كانوا حريصين على أهمية حماية المدنيين، ويدركون أهمية الشفافية للمساءلة الديمقراطية، وكانوا ملتزمين بالعمل داخل إطار القانون".
ويذكر الكاتبان أن "الأمر الثاني هو أن التحقيق الصحافي في مجلة (نيويورك تايمز) ألمح الى أن الأمور ستتجه نحو الأسوأ، فقد احتفت إدارة ترامب بسياسة لا تلتزم بأي قيود في الحرب ضد تنظيم الدولة، وتعطي القادة الميدانيين حرية أكبر في التصرف، مخففا القيود التي فرضت من الإدارة السابقة، إضافة إلى توسع الحرب إلى دول أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا يزيد من احتمالات وقوع المزيد من الضحايا المدنيين، وقامت منظمات مستقلة بمتابعة الإحصائيات، وتشير إلى أنه كانت هناك زيادة في عدد الضحايا المدنيين في كل من العراق وسوريا منذ كانون الثاني/ يناير 2017، ويمكن عزو هذا بشكل جزئي إلى الدخول في مرحلة نهائية من الحرب مع تنظيم الدولة والقتال معه في مناطق ذات كثافة سكانية، لكن الأمر يتعلق أيضا بالتوجيهات السياسية، بالإضافة إلى أمور مثل اللهجة والموقف والأولويات التي تضعها القيادة العليا، بمن فيهم القائد العام (ترامب)، فهذه تتسرب إلى الرتب الأقل حتى تصل إلى آثارها إلى ساحة المعركة".
ويستدرك الباحثان بأنه "مع ذلك، فإن مقال (نيويورك تايمز) وجد مدنيين لم يتم عدهم خلال إدارة أوباما، لم يعدهم الناس الذين كانوا ينوون الحد من الضحايا المدنيين وضمان الشفافية، وكون تلك الإجراءات الاحترازية لم تكن كافية حتى في يد إدارة تعدها أولوية أمر يثير أسئلة صعبة".
ويبين الكاتبان أن "بعض الأجوبة مباشرة، مثل القول بأنهم هم السبب، أي تنظيم الدولة، وذلك لأنهم يختبئون بين المدنيين ويستخدمونهم دروعا بشرية، وفعلوا ذلك لمنع ضربات التحالف، أو لجعل الثمن كبيرا، ومثل تنظيم القاعدة، فإن تنظيم الدولة يشكل مأزق كيفية التعامل مع مقاتلين غير عسكريين، وتعريض الأبرياء للضرر يشكل مركز تكتيكاتهم، ثم المبالغة بتلك الأضرار للحصول على غضب شعبي كبير".
ويجد الباحثان أنه "مع ذلك، فإن تلك المبررات يمكن استخدامها إلى حد معين فقط، فالخيارات في الحرب صعبة، لكن لا بد من اتخاذ تلك الخيارات، بعضها على المستوى السياسي والآخر على المستوى التنفيذي، وكلها قد يكون لها أثر كبير على المدنيين، وباتخاذ أي حكومة قرار استخدام القوات العسكرية فإن تلك الحكومة تقوم بتجاوز العتبة إلى حيز من عدم الدقة وعدم الوضوح، وكلاهما يهدد حياة الأبرياء، ويؤثر على كل مستوى من مستويات اتخاذ القرار، فما هي حدود الضحايا المدنيين التي يمكن تحملها وفي الحدود القانونية؟ كيف يحدد الهدف؟ ما هو مقياس الدقة الذي يجب استخدامه للتوصل إلى قرار؟ وعندما يتم التوصل إلى القرار ما هي الإجراءات للتأكد من صحته والقيام بالإصلاحات وتوفير التعويضات إن كان خاطئا؟".
ويفيد الكاتبان بأن "ما أظهره ذلك التحقيق الصحافي في العراق (وبالتأكيد غيره من مسارح العمليات) فإن عدم الدقة وعدم التأكد في العادة يكلفان حياة أناس أبرياء، وأديا إلى عدم الاعتراف بقتلهم، والتصنيف الواسع لما يمكن استهدافه مع وجود نظام منقوص لتحديد الأهداف، ويزيد من الطين بلة عدم وضوح إجراءات التأكد والتعويض بعد الاستهداف، فهذا كله ضاعفه الميل الطبيعي لعدم التشكيك في المنفذين العسكريين الأمريكيين، ولذلك إن كان هناك تساؤل حول عملية ما فمن غير المحتمل أن يصنف البنتاغون الضحايا على أنهم مدنيون في غياب مستوى عال من اليقين، ولذلك كانت عائلة باسم رازو ضحية لهذه الإجراءات مرتين، حيث تم استهدافهم خطأ، ثم كان من السهل جدا إهمال خسارتهم المدمرة".
ويرى الباحثان أن "ما جعل المشكلة أكبر هو شكل الصراع الذي اختارته أمريكا في العراق وسوريا، وهو ما يمكن التوقع بحصوله في المستقبل القريب، فلم يكن هذا نوعا من مكافحة الإرهاب الذي يركز على استهداف أشخاص يمثلون خطرا مباشرا ووشيكا على أمريكا، حيث حاول أوباما توجيه الفعل العسكري الأمريكي في مناطق بعيدة عن الجبهات في الصومال واليمن، فالمعركة ضد تنظيم الدولة كانت تهدف إلى إضعاف وهزيمة منظمة بكاملها، معتبرين أن وجودها يشكل خطرا على الأمن الأمريكي، وحتى في الحروب السابقة (ضد تنظيم القاعدة) كانت هناك تقارير عن ضحايا مدنيين وعن إعلان أعداد أقل من الواقع، لكن هذا الحجم تزايد مع توسيع النطاق والهدف للمعركة وتراجعت الحتمية الاستراتيجية في إبقاء أعداد الضحايا المدنيين إلى أدنى الحدود".
ويقول الكاتبان: "لم تكن هذه عملية مكافحة تمرد عادية، حيث لم ينتج عنها وجود عسكري كبير على الأرض، كما كان الأمر في أفغانستان وفي العراق ذاته في وقت سابق، وأدت تلك العمليات إلى معرفة أفضل بالتضاريس، وسمحت بتفاعل أفضل مع المجتمعات، وسمحت بنجاح العمليات أحيانا وأحيانا أخرى لم تنجح؛ خشية تنفير المجتمعات المحلية، وفي أفغانستان بالتحديد رأى قادة الجيش الكبار أن حماية المدنيين وتعويضهم أمران أساسيان للعملية العسكرية، وهكذا وجهوا جنودهم، وعلى النقيض كانت الحملة ضد تنظيم الدولة، فإن الجزئية التي اختصت فيها القوات الأمريكية هي استخدام سلاح الطيران، حيث كانت معظم المناطق التي قصفت تحت سيطرة تنظيم الدولة، فليس بالإمكان تصنيفها على أنها حرب ضد تمرد أو مكافحة إرهاب، بل هي هجين من الاثنتين".
وينوه الباحثان إلى أن "الخيار كان مفهوما، فتنظيم الدولة ليس كتنظيم القاعدة، الذي هو عبارة عن خلايا سرية، بينما تنظيم الدولة كان يحمل صفات التنظيم الذي هو جزء من الدولة والتمرد والمنظمة الإرهابية، فكان البنتاغون يخوض حربا غريبة ضد شبكة أكبر مما قاتل من قبل، وكان جمع المعلومات الاستخباراتية قبل توجيه الضربات وبعدها ضروريا، لكن كانت القاعدة الاستخباراتية ضحلة، وسرعة التقدم المطلوبة عالية، وعدد الجنود الموجودين على الأرض قليل، لكن ذلك الخيار والخيارات المرتبطة به ترتبت عليها تداعيات حقيقية، فكان من المهم أن الجيش لم يتعامل مع حماية المدنيين بالأهمية الاستراتيجية ذاتها التي كانت تطبقها في أفغانسان، وكان مهما أن الإدارة الأمريكية لم تطبق في كل من سوريا والعراق الإجراءات الاحترازية باستخدام الاستهداف المقيد الذي صمم لساحات المعارك البعيدة، مثل الصومال واليمن، التي مهما كانت غير كاملة فإنها ساعدت في احتواء نطاق العمليات الأمريكية، فكانت الحملة ضد تنظيم الدولة على نطاق محاربة تمرد لكن دون وجود القيود التي من المفترض أن تضبط الحرب".
ويذهب الكاتبان إلى أنه "مع أن إدارة أوباما كانت على معرفة بالمشكلة، وقامت بالدفع نحو المزيد من التقارير حول ضحايا الغارات، ونشرت ما لديها من إحصائيات، ودققت فيما كان ينشره الإعلام والمنظمات غير الحكومية، وعملت مع منظمات ميدانية للبحث عن وسائل لتصحيح الأخطاء ودفع تعويضات، لكن تلك الإجراءات لم تكن كافية".
ويتساءل الباحثان: "فما هي المقاربة التي قد تكون أفضل فيما يتعلق بأعداد الضحايا المدنيين؟ ابتداء يمكن أن تفرض مقاييس للتأكد من أن تزيد أخطاؤنا من ناحية الاحتراس في تحديد الأهداف، وتحديد عتبات واقعية للاعتراف بالأخطاء، وقد توفر المزيد من المعلومات حول ما ومن تعده أمريكا مستهدفا ليكون هناك حوار واسع حول الموضوع، وقد تقوم بتوظيف أشخاص مدنيين وعسكريين في البنتاغون تكون مسؤوليتهم التقليل من أعداد الضحايا المدنيين".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "هذا كله مهم، ويمكن أن يساعد، لكن ما دامت أمريكا تسعى لمكافحة الإرهاب من خلال حلول عسكرية فإنه سيكون هناك ضحايا مدنيون".
ديلي تلغراف: ثلث أسلحة تنظيم الدوله أوروبية المنشأ
نيوزويك: هل يشكل تنظيم الدولة خطرا على أمريكا؟
التايمز: متحدث باسم "سوريا الديمقراطية" منشق يحرج واشنطن