نشرت صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونغ" الألمانية تقريرا، تحدثت فيه عن المنهج الصوفي في الإسلام، الذي يساء فهمه من قبل الغرب. ويرى الكثيرون أنه يمكن اعتبار الصوفية "الوجه الجيد" للإسلام.
والجدير بالذكر أن الإعلام الغربي دأب على توصيف الصوفية على أنها المذهب المعتدل في الإسلام، الذي يدين به أغلب المسلمين، وأن أتباعه يتميزون بالسماحة والسلام، علما أن هذه النظرة تعدّ سطحية وخاطئة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الهجوم الأخير في سيناء طال مسجدا يرتاده من ينتمون إلى المذهب الصوفي. وقد وقع ضحيته قرابة 300 شخص. وقد كشف الهجوم حقيقة أن تنظيم الدولة لا يستهدف الغرب فحسب، فضلا عن أنه أظهر مدى ازدواجية الإعلام الغربي في تغطية العمليات الإرهابية التي تحدث في البلدان الإسلامية.
وتجدر الإشارة إلى أن مسجد الروضة في سيناء يتبع المذهب الجريري الصوفي، الذي انتشر في شبه جزيرة سيناء منذ أربعينات القرن الماضي. وعلى الرغم من أن تنظيم الدولة لم يعلن عن تبنيه للهجوم، إلا أنه من المعلوم لدى الجميع أنه يعتبر المتصوفين "كفارا".
وأفادت الصحيفة بأن الصوفيين منصهرون في قلب المجتمع المسلم. في الحقيقة، تعدّ الصوفية منهجا روحيا، يبحث في أعماق النفس الإنسانية. ويتبع المتصوفون، سنة كانوا أو شيعة، تعاليم الدين الإسلامي بإخلاص شديد، ويحاولون إيجاد تفسير للطقوس الدينية التي يمارسونها. فعندما يصلي الصوفيون أو يصومون يكونون على دراية عميقة بقيمة تلك العبادات. بالإضافة إلى ذلك، يتميز المذهب الصوفي بجملة من العبادات الخاصة، على غرار الذكر والإنشاد الديني لأسماء الله الحسنى وبعض التواشيح، في حين يتبع بعضهم ما يسمى أولياء الله، أي شيوخ الطريقة التي يتبعونها.
وأكدت الصحيفة أن توصيف الصوفية على أنها إحدى الطوائف الإسلامية يعدّ خاطئا. فعلى مر العصور، انبثقت جميع العلوم الإسلامية من عقيدة وفقه وفلسفة من رحم الصوفية، في دولة الأندلس وبلاد فارس في القرون الوسطى. وأنجبت الصوفية العديد من العلماء، الذين أضافوا الكثير للإسلام، ووضعوا أسس حياة دينية صحيحة، على غرار محي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي وعمر الخيام. وعلى الرغم من ذلك، لم يتم إلى حد الآن التمييز بين الإسلام المتشدد والإسلام الصوفي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الصوفية لها أثر كبير على الحضارة الإسلامية. فقبل مئتي سنة، كانت الغالبية العظمى من المسلمين يمارسون الشعائر الصوفية. وحتى في الوقت الحالي، يتبع غالبية المسلمين في العالم المنهج الصوفي. فعلى سبيل المثال، يوجد داخل مصر 70 طريقة صوفية يتبعها ملايين المسلمين هناك. والأمر سيان بالنسبة لباكستان والهند، حيث يمارس المسلمون الشعائر الصوفية، لكنهم يرفضون أن يلقبوا أنفسهم بالمتصوفين، بل يفضلون أن يعتبروا "مسلمين" فحسب.
وأبرزت الصحيفة أن الصوفية لاقت عبر الزمن العديد من الانتقادات. لكن اعتبار المتصوفين "كفارا" يعدّ تطورا جديدا، خاصة بعد ظهور بعض الأيديولوجيات الإسلامية المستحدثة، على غرار الوهابية، التي تؤكد أن الصوفية ليست من الإسلام.
وفي السياق ذاته، يرى تنظيم الدولة أن المذهب الصوفي يعد أحد الأمراض المستوطنة في مصر، ويجب مقاومتها. ومن المفارقات أن كلا من الغرب والمتطرفين اتفق أن الإسلام المتشدد يعد الصورة الصحيحة للإسلام، وأن الصوفية تعدّ الفرقة الضالة من الإسلام.
وفي هذا الصدد، صرح الأستاذ الأمريكي في دراسة الأديان، أوميد صافي، بأن الغرب يرى أن المُتصوف الحقيقي هو في الواقع شخص سيئ، وهو ما يعدّ مزيدا من التضليل في وصف الشخص المسلم المعتدل.
وأضافت الصحيفة أن فصل الصوفية عن الإسلام يعدّ تأييدا لوجهة نظر المتطرفين حول الإسلام، فضلا عن أنه يشوه صورة المسلمين. من جانب آخر، ربط صفة التسامح والسلام بالصوفيين فقط يعني ضمنيا أن بقية المسلمين غير متسامحين أو مسالمين. في الحقيقة، قد تؤدي مثل تلك التصنيفات للمسلمين في النهاية إلى غض الطرف عن القتلى المسلمين في كل مكان.
وبينت الصحيفة أن الصوفيين يمارسون السياسة، شأنهم شأن المنتمين للمذاهب الأخرى. فمنذ القدم، شارك الصوفيون إما في الثورات أو دعم الأنظمة الحاكمة. والجدير بالذكر أن الصوفيين دعموا جمال عبد الناصر في الستينات، ودعموا من بعده السادات ومبارك. وفي العراق، ظهر أتباع الطريقة النقشبندية إبان غزو الولايات المتحدة للعراق، معلنين الجهاد ضد الجيش العراقي؛ بهدف حماية الصوفية.
وذكرت الصحيفة أن الشاعر الفارسي، جلال الدين الرومي، يعدّ من أهم شعراء الصوفية، الذي عاش في القرون الوسطى، وتعدّ قصائده من أكثر القصائد قراءة في الولايات المتحدة الأمريكية. في الواقع، لا تذكر الترجمات الإنجليزية لكتب الرومي جذوره الإسلامية، بالإضافة إلى أن تلك الترجمات تقوم بحذف كل ما يرمز إلى الإسلام. وقد يتعجب قراء أشعاره عندما يعلمون أن الرومي الذي تتحدث كلماته عن العشق والسماحة، كان عالما وواعظا مسلما في سن مبكرة.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن الغرب يحاول أن ينكر صلة شخص مثل جلال الدين الرومي بالإسلام، لترسيخ صورة معينة عن هذا الدين وأتباعه، التي من شأنها أن تؤثر بشكل سلبي على المسلمين في كل مكان، بما في ذلك الصوفيون.
ميدل إيست آي: لماذا فشل نظام مصر بمنع وقوع جريمة متوقعة؟