كتاب عربي 21

هدية مجانية أخرى لإيران ومليشياتها

1300x600
في بعض الأحيان، يخيّل إلي أن هناك قوة خفية وسحرية، قوة غالبة لا تقهر، تقف خلف النظام الإيراني، تحرسه وتسدد خطاه، وتدفعه دوما للأمام، لتحقيق المكاسب والانتصارات، بغض النظّر عما يقوم به أو يفعله، حتى وإن بدا أنّه يغرق، أو في كثير من الأحيان يخسر. 

إذا ما أردنا تجسيد هذه القدرة أو القوّة في مصطلح لغوي، لا أعتقد بأنّنا سنجد مصطلحا أكثر ملاءمة في وصف هذه الحالة من مصطلح "الغباء". 

غباء خصوم إيران هو أقوى الأسلحة الاستراتيجية التي يستمد النظام الإيراني منها قوته في المنطقة، وهو سلاح فتّاك لا يكلّفه أي شيء على الإطلاق.

ينجم عن هذا السلاح بصفة شبه دائمة ومستمرة تقييم خاطئ لواقع الحال، وإجراء خاطئ لمعالجة الوضع الذي ينجم عن التقييم، وقرارات خاطئة للدفاع عن الإجراءات الخاطئة السابقة، ولا تصبّ نتائج كل هذا العبث في النهاية إلا في صالح إيران.

هناك من يعتقد بالفعل أن خصوم إيران يعملون في حقيقة الأمر لصالحها! وسواء كان ذلك استهزاء كما فعل تريتا بارسي، - رأس حربة اللوبي الإيراني في واشنطن- عندما قال ما معناه ان من يتابع أفعال ترامب وولي عهد السعودية محمد بن سلمان يعتقد أنهما يعملان سرا لإيران، أو كان ذلك نابعا من تقييم حقيقي لنتائج قرارات هذه الأطراف على الأرض، لا فرق، فهو يصب في نفس الخانة في نهاية المطاف.

بالرغم من كل التنازلات التي قدّمتها إدارة أوباما للنظام الإيراني والتي أتاحت له السيطرة بشكل تام على أربع عواصم عربية، فقد كانت طهران وضع مزر جدا مع نهاية العام الماضي، على الأقل لناحية شعبيتها ومصداقيتها وشرعية تمددّها وسيطرتها.

لكن ومنذ مجيء ترامب في بداية العام والتحالف العلني بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وإيران تحصد الانتصارات الإقليمية المجانيّة دون أدنى مجهود منها.

الأزمة المفتعلة مع قطر، أدّت إلى تحوّل كبير على الصعيد الإقليمي، وأتاحت لإيران أن تقدّم نفسها كشريان حياة ومخلّص. 

ليس هذا فقط، بل إن الأزمة ذهبت أبعد من ذلك، لتفتيت وحدة الخليج، وتعطّل مجلس التعاون، إن لم نقل تدفنه، منهية بذلك أي قدرة جماعية للخليج للعمل على تحقيق التوازن مع إيران. 

حصلت إيران على ذلك مجانا دون أي مقابل، وما كادت فصول هذه الأزمة تُفتح على نقاش للبحث عن حلول إلا وقامت السعودية بفتح أزمة جديدة على الجبهة اللبنانية دون سابق إنذار. 

أدى إجبار الزعيم السني هناك إلى إعلان استقالته من الرياض إلى تآكل مصداقيته، وشعرت شريحة من السنّة بالإهانة والهوان، ومرة أخرى سمح ذلك لمليشيات إيران بالادعاء بأنهم في موقع الدفاع عن رئيس الوزراء السنّي، وانتهت الأزمة بفضيحة للمملكة بعد تدخل باريس وواشنطن وتحوّلت نتائج هذه الأزمة المفتعلة في النهاية إلى صالح حزب الله وإيران بعد تراجع الحريري عن استقالته.

أمّا في اليمن، فقد قاتل علي عبدالله صالح، رجل السعودية السابق، إلى جانب الحوثيين لثلاث سنوات تقريبا ضد المملكة والإمارات، وما أن أقنعوه أو ابتزّوه للإنقلاب على الحوثيين حتى مات بعد يومين فقط! ماذا قدموا له؟ ماذا كانت استراتيجيتهم؟ لا شيء.

مجرّد تغريدات ونشرات وتطبيل اعلامي مع استبدال لقبه من الرئيس المخلوع إلى الرئيس السابق. هناك إجماع الآن على أن الوضع في اليمن أصبح أصعب، وهذا يعني أن السعودية ستدفع المزيد من التكاليف هناك، وأن إيران تتقدّم مرّة أخرى.

آخر فصول المهزلة، قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل. لا يوجد أدنى شك بأن السعودية والإمارات وربما عدد آخر من الدول مثل مصر كانت على علم تام بتفاصيل هذه الخطوة. 

لم يكن هناك تقريبا أي رد فعل حقيقي لهذه الدول التي لطالما انتفضت على مواضيع تافهة مؤخرا، وعندما اشتد الضغط الإعلامي، أصدروا بيانات من دون طعم أو رائحة أو لون وحاولوا الترويج لها على أنها رد قوي.

من استفاد من هذا القرار؟ إذا ما استثنينا إسرائيل، فإن المستفيد الأول من القرار هو إيران التي تروج الآن على أنها المدافع عن المقدسات وفلسطين وحامي الحمى، فيما وزير الدولة لشؤون الخارجية في هذه الدولة او تلك، يشتكي من استغلال القضية الفلسطينية من أطراف خارجية! 

من يترك فراغا بإرادته أو بغبائه فعليه أن لا يلوم الآخرين على ملئه، وعليه أن يتحمّل نتائج ذلك أو أن يعود إلى رشده.