نشرت صحيفة "موند أفريك" الفرنسية تقريرا، تطرقت من خلاله إلى حقيقة تراجع زخم الإسلام السياسي في الجزائر. وقد تجلى ذلك خلال الانتخابات المحلية الأخيرة التي تلقت فيها الأحزاب الإسلامية صفعة، على غرار حركة مجتمع السلم، في ظل فقدانهم لمقاعد ضمن البلديات والمجالس المحلية للولايات، مع العلم أن الجزائر تعد من بين الدول العربية القلائل التي يعيش فيها الإسلام السياسي حالة من التفكك.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا الوضع الصعب ليس من فراغ بل يعتبر وليد إستراتيجية وظفها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ توليه رئاسة البلاد سنة 1999. وقد استغل بوتفليقة الانقسامات التي شهدتها الأحزاب الإسلامية في الجزائر لخدمة مصالحه.
وأكدت الصحيفة أن بوتفليقة استهل مخططه للإيقاع بالإسلاميين في فخه من خلال إقناع حركة الإخوان المسلمين، المتجسدة في حركة مجتمع السلم التي أسسها محفوظ نحناح، بالانضمام إليه لقيادة الجزائر. وقد أقنع بوتفليقة الإسلاميين بأهدافه زاعما أنه ينوي طي صفحة العشرية السوداء التي شهدت أعمال عنف دامية. وخلال تلك الفترة، كان حزب حركة مجتمع السلم ثاني أقوى حزب سياسي في الجزائر.
ونوهت الصحيفة إلى أن النية المبيتة لبوتفليقة كانت ترتكز بالأساس على ضمان عدم ظهور حزب إسلامي آخر يمثل امتدادا للجبهة الإسلامية للإنقاذ، التي قاتل أغلب قادتها إلى جانب حركة التمرد خلال العشرية السوداء. وقد كانت هذه النوايا محور "الصفقة" التي وقعها بوتفليقة مع العسكريين، وعلى رأسهم "دائرة الاستعلام والأمن" التي يشرف عليها الجنرال توفيق.
وأشارت الصحيفة إلى أن بوتفليقة عمل جاهدا على إجهاض أي محاولة لانبثاق حركة إسلامية جديدة على غرار الجبهة الإسلامية للإنقاذ خلال التسعينات. وقد عمد الرئيس الجزائري إلى بث الفرقة والنزاعات في صلب هذه الحركة حتى يسهل عليه التحكم بها. في الأثناء، تمكن عبد العزيز بوتفليقة من كسب تعاطف قدماء الجبهة الإسلامية للإنقاذ بعد أن سمح لهم بالاندماج من جديد في الحياة المدينة بعد مضي 10 سنوات على اندلاع الحرب.
وأضافت الصحيفة أنه وبعد الجبهة الإسلامية للإنقاذ لم يتبق أمام بوتفليقة سوى حركة مجتمع السلم، التي تسيطر على عدة مناصب وزارية هامة على غرار وزارة التجارة، والنقل، والمالية. وبالاعتماد على "خبثه السياسي"، تسلح بوتفليقة بكل الوسائل على غرار تكليف نشطاء حركة مجتمع السلم بمهام معقدة من شأنها أن تغرقهم فيما بعد في فضائح مالية متعلقة بالفساد. ولعل أبرز دليل على ذلك، عملية الاختلاس التي تورط فيها الوزير عمار غول والتي جاءت على خلفية تشييد الطريق السيارة "شرق - غرب".
وأكدت الصحيفة أن بوتفليقة قد خلق حالة من الاضطراب في صفوف أسلاف محفوظ نحناح وأسلاف عباسي مدني الذي ترأس الجبهة الإسلامية للإنقاذ بين سنة 1989 وسنة 1992. بعد ذلك، عمد الرئيس الجزائري إلى عزل مؤسس حركة النهضة الإسلامية في الجزائر، عبد الله جاب الله. والجدير بالذكر أن عبد الله جاب الله كان مقربا من رئيس دائرة الاستعلام والأمن، الجنرال توفيق، الذي كانت تربطه به علاقات جيدة.
وأفادت الصحيفة أن بوتفليقة قد استغل عمار غول حتى يكون "حصان طروادة" بغية نسف آخر الحركات الإسلامية القوية من الداخل. وخلال سنة 2012، أجبر عمار غول على تقديم استقالته من حركة مجتمع السلم، ليؤسس بعد ذلك حزبه الخاص ويضم إليه العديد من كوادر حركة مجتمع السلم. مع مرور الوقت، أضحى "تجمع أمل الجزائر"، الذي أسسه عمار غول، أول حزب "إسلامي" يتحالف مع الرئيس بوتفليقة، كما تفوق هذا الحزب على باقي الفصائل الإسلامية الأخرى في البلاد.
وتطرقت الصحيفة إلى الانشقاقات الداخلية التي شهدها حزب عمار غول مع حلول سنة 2015، حيث لحقت حزبه موجة من الاستقالات ساهمت في إضعافه. ويحيل ذلك إلى أن بوتفليقة نجح على امتداد 16 سنة في سحق الإسلام السياسي بعد أن وظف مختلف رموزه لصالحه. في الأثناء، لم يقتض مخطط الرئيس الجزائري أي تدخل عسكري، على غرار جنرالات الجيش الجزائري خلال التسعينات، حيث اعتمد بوتفليقة على أسلوب مغاير تماما اقتصر على المراوغة ونشر الفرقة والتوتر وتأسيس تحالفات بغية إضعاف خصومه الإسلاميين.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أنه وفي الوقت الحاضر، أضحى الإسلاميون الجزائريون مجبرين على السير في طريق سياسي مليء بالألغام بعد أن ظنوا أن بوتفليقة سيكون بمثابة محطة انطلاقهم نحو السلطة، ليكتشفوا أنه كان نقطة نهايتهم.
بعد تراجع شفيق.. ما شكل الانتخابات التي يريدها السيسي؟