هناك دعم إسرائيلي علني لانفصال شمال العراق؛ بهدف تأسيس دولة كردية. وهو دعم يناقض الدعاية الإسرائيلية عن البحث عن تعاون وتحالف مع دول عربية، يطلق عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، "الدول السنيّة المعتدلة". ويفرض الموقف الإسرائيلي في المسألة الكردية على من يستخدم لهجة ناعمة مع الإسرائيليين، أن يعيد النظر، وألاّ تقل حدّة اللهجة الموجهة ضد التدخل الإسرائيلي في الأمن القومي للدول العربية، عن تلك المستخدمة ضد إيران أو تنظيمات الإرهاب.
جاء في تقرير نشرته "واشنطن بوست" هذا الأسبوع، "بات العلم الأزرق والأبيض الإسرائيلي مشهدا شائعا في أربيل، عاصمة منطقة الإقليم الكردي، وبعض الأكراد يرفع العلم على سياراتهم، وبعضهم يلوح به في التجمعات الجماهيرية"، وكل ذلك بالتزامن مع استفتاء الانفصال عن العراق، الذي حصل يوم الإثنين الفائت. ويشير التقرير للدعم الإسرائيلي للخطط الانفصالية الكردية، عسكريّا واستخباراتيّا على مدى عشرات السنوات. وتشير الصحيفة إلى أنّ هذا الدعم ينبع من الاستراتيجية الإسرائيلية التقليدية، لمحاولة مد علاقات مع الدول غير العربية المحيطة بالعرب، ومد علاقات مع الفئات غير العربية داخل البلدان العربية. وبحسب الصحيفة، لا يُخفي مسؤولون إسرائيليون، حاليّا، دعوتهم واشنطن لدعم المخططات الكردية، للانفصال، بذريعة إيجاد حلفاء لإسرائيل قريبين من دول مثل إيران، فيكون الحلف الكردي الإسرائيلي مثلا، موازيا لحلف حزب الله اللبناني مع إيران.
في يوم الأربعاء (20\9\2017) أعلن بنيامين نتنياهو، "إسرائيل تدعم السعي المشروع للشعب الكردي لإنجاز دولته"، وتتشابه هذه العبارة مع تصريحات أدلى بها نتنياهو العام 2014. ونشرت صحف إسرائيلية، ومنها "جيروزالم بوست"، أنباء وصورا عن تظاهرات واحتفالات إسرائيلية تدعم الجهد الانفصالي الكردي، كقيام يهود من أصل كردي بتظاهرة أمام القنصلية الأميركية في القدس دعما لاستفتاء الأكراد.
رغم هذه التقارير، فمن غير الواضح عمق العلاقة بين الإسرائيليين وكردستان العراقية، حاليّا. ولكن لا يمكن تجاهل التشابه بين هذه الحالة والدعم الإسرائيلي المثبت الذي ساعد على تقسيم السودان.
في السنوات الأخيرة، بات شائعا تشديد الاتهامات للتدخل الإيراني في الدول العربية، من قبل دول عربية، وطبعا ضد جماعات الإرهاب، ويعتبر الخلاف الخليجي الخليجي في جزء منه نتيجة الاستياء أو الاتهامات لقطر بشأن موقفها من إيران وهذه الجماعات. ويجري استخدام لهجة شبه محايدة في تناول الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بالتركيز على ضرورة التوصل لتسوية سلمية فلسطينية إسرائيلية، تفتح الباب للتطبيع العربي الإسرائيلي. ومن أسباب هذه اللهجة المهادنة مع الجانب الإسرائيلي، الاعتقاد، أن المشكلة الإسرائيلية، محصورة بالشأن الفلسطيني، وأنّه لا خلافات عربية إسرائيلية أخرى. وثانيا، أنّ هناك مصالح ومواقف مشتركة بين دول عربية والإسرائيليين، أبرزها التصدي لإيران.
وتبذل مراكز أبحاث وجماعات ضغط أميركية قريبة من الإسرائيليين دورا كبيرا في محاولة تسويق هذه الأفكار، حول محدودية أسباب الخلاف، وحول وجود عدو مشترك، لدى دول عربية.
لا يمكن تجاهل أن نزعات الانفصال، أو الاحتجاج، لفئات في دول عربية، هي في جزء منها نتيجة الفشل في تأسيس الدولة المدنية، التي تعطي مواطنيها حقوقا متساوية، وتسمح لهم بحرية التعبير، وتقدم وسائل شفافة لتطبيق قانون عصري، ولكن هذا لا يلغي أهمية وخطورة الدعم الإسرائيلي للنزعات الانفصالية.
ولا يمكن تجاهل السياسات الإسرائيلية، للتدخل في الدول العربية، مثل السودان والعراق ولبنان، وتكوين حلفاء فيها حيث أمكن ذلك على خلفية طائفية. وهو أمر لا يبتعد أبدا عن السياسات الإيرانية، من احتلال للجزر الإماراتية، والتدخل في دول عربية، مثل اليمن، والبحرين، ولبنان، وسورية، وغيرها.
وبالتالي، وبغض النظر عن عمق الدور الإٍسرائيلي في كردستان، وبغض النظر أنّ عوامل عديدة أوصلت الأمر في المسألة الكردية للنقطة الحالية، تلام فيها إلى حد كبير الأنظمة العربية، فإنّ الأصل أن ينبّه الموقف الإسرائيلي في شمال العراق، من يريد استخدام لهجة مختلفة إزاء الإسرائيليين، أنّ هذا قرار غير مناسب، وأنّ الأمر لا يتعلق فقط بتهويد القدس، والاعتداء على الفلسطينيين، ولكنه يصل لدعم عدم الاستقرار في دول المنطقة.
الغد الأردنية