اقتصاد عربي

موجة غلاء تضرب الأسواق في مصر.. والدولار خارج الحسبان

اتهامات للنظام المصري بإصدار تقارير اقتصادية مضللة- الأناضول
ضربت موجة جديدة من الغلاء الأسواق المصرية الأسبوع الماضي والأيام الأولى من الأسبوع الجاري وسط توقعات قوية باستمرارها حتى نهاية الشهر إن لم يكن لنهاية العام في حال قررت حكومة السيسي رفع أسعار الطاقة والوقود مجددا للمرة الرابعة على التوالي.
 
وتفاجأ المصريون بارتفاع كبير في أسعار معظم السلع خاصة المواد الغذائية والمشروبات، لتتراوح ما بين 20 في المائة و35 في المائة، وسط ذهول الكثيرين، الذين عولوا على انخفاض الأسعار وليس ارتفاعها، في أعقاب ارتفاع الجنيه أمام الدولار خلال الشهرين الماضيين.
 
بيانات متناقضة
 
وتتناقض زيادة الأسعار الجديدة، التي حدثت دون سابق إنذار، مع بيانات حكومة السيسي، التي أصدرتها مطلع الشهر الجاري، وأكدت فيها هبوط المؤشرات الرئيسية للتضخم في مصر في آب/ أغسطس من أعلى مستوياتها في عقود التي سجلتها في تموز/يوليو.
 
وزعم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 31.9 في المئة على أساس سنوي في آب/ أغسطس من 33 في المائة في تموز/ يوليو.
 
وقال البنك المركزي إن التضخم الأساسي، الذي يستثني سلعا مثل الأغذية نظرا للتقلبات الحادة في أسعارها، انخفض بشكل طفيف إلى 34.86 في المئة من 35.26 في المئة في الترة ذاتها.
 
ماذا يحدث في مصر؟
 
وكشف صاحب شركة النور لتجارة الجملة، أبو يوسف محمد، لـ"عربي21" أن "غالبية شركات المواد الغذائية، والمشروبات قررت رفع الأسعار فيما بينها على نحو مفاجئ، ودون مبرر"، مشيرا إلى وجود "شبكة مصالح قوية تجمع تلك الشركات خاصة فيما يتعلق بقرارات رفع الأسعار".
 
ودلل على حديثه بالقول: "هناك بضعة شركات ألبان في مصر، قررت جميعها رفع سعر جميع منتجات الألبان، ومحتوياتها، كالأجبان، والزبادي بنسب لا تقل عن 25%، وبعضها وصل لنحو 35%، وهي أرقام مبالغ فيها بدون شك، ونحن ملتزمون بل مضطرون لها".
 
وأكد أن "هناك حالة تذمر كبيرة بين الناس بسبب الزيادات الجديدة، التي لم يواكبها أي زيادات في أسعار المحروقات، أو الطاقة، على غير العادة"، وحذر من "استمرار معاملة المواطن بسياسة الأمر الواقع؛ لأنه لن يتقبلها طوال الوقت، ولابد من وجود مبررات قوية، أو حتى يقابلها زيادة في الأجور".
 
السبب الحقيقي للغلاء
 
وبشأن تفسير موجة الغلاء الجديدة رغم مزاعم انخفاض الدولار أمام الجنيه، أكد مدرس الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين، أنه "لا يمكن تحميل الدولار وحده ارتفاع التضخم في مصر، فهناك أسباب كثيرة؛ من بينها نقص الإنتاج والمعروض، فلا يوجد إنتاج وافر يغطي احتياجات السكان المتزايدة؛ وبالتالي ترتفع الأسعار".
 
وأضاف لـ"عربي21": "السبب الآخر والأهم، أن هناك احتكارات موجودة تتحكم في الأسواق، وبالتالي المنتجون هم من يتحكمون في سعر السلع أيا كانت سواء غذائية، أو دوائية، أو معمرة، أو غيرها من السلع".
 
ولخص ما يحدث من طفرات في الأسعار، قائلا: "مرد ما يحدث؛ عجز الإنتاج في البلد داخل الأسواق، وخلو الاقتصاد من المنافسين الحقيقيين لتوفير السلع بسعر ملائم وتنافسي، حتى تستطيع التغيير في الأسعار"، مؤكدا أن "سعر الدولار ليس مكونا أساسيا ورئيسيا في رفع الأسعار، إضافة إلى مغالاة المنتجين أحيانا، وغياب رقابة الحكومة على الأسواق".
 
أرقام حكومية مضللة
 
من جهته؛ اتهم أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم بإسطنبول، أشرف دوابة، حكومة السيسي "بإصدار بيانات اقتصادية مضللة"، وقال لـ"عربي21": "إن العبرة بالأسواق وليس بالأرقام التجميلية التي تطلقها حكومة السيسي من وقت لآخر، وسبق وأن توقعت وحذرت من إصدار مثل تلك البيانات المضللة".
 
وتوقع أن يكون القادم أسوأ؛ "لوجود التزامات مالية كبيرة على مصر خلال الفترة المقبلة، واعتماد البلد على الديون، حتى وإن انخفض سعر الدولار؛ فالقضية في مصر قضية إنتاج، فلا يوجد إنتاج حقيقي"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن "الدولار سيواصل صعوده نتيجة الالتزامات المالية على البلد".
 
وتساءل: "ماذا تنتج المصانع في مصر؟، فهناك نحو 7 آلاف مصنع أغلق، وشركات القطاع العام مثقلة بالديون والخسائر إلا بعضها، والجيش هو المهيمن والمسيطر على طبيعة الاقتصاد، كل ذلك جعل عرض الإنتاج لا يوفي بمتطلبات الناس بالإضافة إلى الاعتماد على الاستيراد في الكثير من السلع".
 
وأكد أنه "في ظل عسكرة الاقتصاد، وظل الاستبداد السياسي؛ فإن نمو الاستثمار، والاقتصاد الحقيقي هو من رابع بل سابع المستحيلات".