خلال اجتماعٍ لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، عُقد منذ أيام قليلة، طلب مندوب الكيان الصهيوني من ممثلي مختلف الدول الوقوف دقيقة صمت على أرواح ضحايا "الهولوكست" المزعوم، فانتفضت مندوبة كوبا، وطلبت بدورها من نظرائها الوقوف دقيقة صمت أخرى ترحّما على أرواح الفلسطينيين ضحايا الهمجية الصهيونية، وكان لها ما أرادت.
أما سفير السعودية بالجزائر، فلم يتردّد في رفع راية العداء لحماس وتبنّي التصنيف الصهيوني الأمريكي الذي يدَّعي أنها "تنظيمٌ إرهابي!"، في حين نصّب السفير الإماراتي بلندن نفسَه محاميا للاحتلال، وكتب مقالا في صحيفةٍ بريطانية يحرّض فيه على الشيخ القرضاوي، ويقول إنه يدعو في برنامج له على "الجزيرة" القطرية إلى "هولوكوست ثانية ضد اليهود في فلسطين"!
لا ريب اليوم أن تصريح السفير السعودي الذي أطلقه من أرض الشهداء والمجاهدين، يمهّد لإدراج حماس قريبا على قائمة "التنظيمات الإرهابية" في نسختها الثانية، بالاتفاق مع مصر والإمارات والبحرين، بعد أن أدرجت في نسختها الأولى 59 كيانا وعالما إخوانيا، في وقت تتسارع فيه خطواتُ التطبيع مع الاحتلال الصهيوني باعتباره "الصديق" و"الحليف الجديد"، والبداية قد نشهدها قريبا؛ من خلال تسيير رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى مكة لنقل الحجَّاج!
بعد كل هذا العداء المعلَن والخفيّ، هل يحقّ لأحد بعد اليوم أن يلوم المقاومة على توطيد علاقتها بإيران التي تدعهما منذ سنوات عديدة بالمال والصواريخ، وما تيسّر من السلاح للدفاع عن غزة؟
هذا الموقف السعودي أثار عليها عاصفة هوجاء من الاستنكار والرفض في الشارعين العربي والإسلامي، ويكفي فقط القيامُ بإطلالة على مختلف مواقع الإنترنت الشهيرة ومواقع التواصل الاجتماعي والتعاليق المنشورة فيها، لإدراك حجم السخط الذي انتاب الناس من تصريحات السفير الذي لم يتورّع عن شيْطنَة المقاومة، وتجنّب بالمقابل الحديث عن جرائم الصهاينة في فلسطين طيلة 70 سنة، خاصة مذابحهم الوحشية في غزة خلال الـ10 سنوات الأخيرة. وقد استغرب المعلّقون كيف يصدر هذا الموقفُ المخزي من سفير بلاد الحرمين الشريفين في حقِّ مقاومة تريد تحرير فلسطين وقبلة المسلمين الأولى، وتدافع عنها نيابة عنهم جميعا؟!
فلسطين، هي قضية المسلمين الأولى، وبوصلتُهم التي تشير دائما إلى الطريق الصحيح، وهي أيضا خط أحمر لهم جميعا؛ من يعادي المقاومة التي تريد تحريرَها، عادوه جميعا، فكيف تنزلق السعودية إلى هذا المنزلق الخطير وتعادي المقاومة وأكثر من 1.5 مليار مسلم بمثل هذا الموقف المخزي لإرضاء ترامب؟ ألا يكفي إرضاؤُه بـ460 مليار دولار على شكل صفقات أسلحة واستثمارات تُنعش الاقتصاد الأمريكي، وتوفّر عددا هائلا من الوظائف للأمريكيين؟
أخيرا: لماذا تصرّ "هيئة كبار العلماء" بالسعودية على الصمت المطبق عن مثل هذه التصريحات الخطيرة، المعادية للأبطال المرابطين في أكناف بيت المقدس التي تُلقي بالمودَّة ليهود نتنياهو ونصارى ترامب؟ لماذا سكتوا عن الحق؟ وهل نسمع قريبا "فتاوى" تبيح تجريم المقاومة، والتطبيعَ مع الكيان الصهيوني، واتخاذه "صديقا جديدا" و"حليفا"، كما أحلت في بداية التسعينيات الوجودَ الأمريكي بالسعودية والخليج؟
الشروق الجزائرية