رسالة الإخوان لأصحاب الجلالة والفخامة والسمو!

بدت رسالة الإخوان المسلمين إلى مؤتمر القمة العربية، في دورته التاسعة والعشرين، كما لو كانت "رسالة لقيطة"، حتى اعترف بها "إبراهيم منير"، بعد يومين من إرسالها لأصحاب الجلالة والفخامة والسمو، عندما طل علينا عبر قناة "الجزيرة مباشر"، وقد بدأت المناقشة متجاوزة الشكل "على بشاعته"، بالدخول في الموضوع، حيث الاعتراف من جانب المرسل بـ "دولة إسرائيل"!

قبل هذا الاعتراف، كان "المكتب العام" للجماعة قد أصدر بياناً  يؤكد فيه عدم صلته بـ "البيان الموجه إلى الجامعة العربية باسم الإخوان؛ تلك الجامعة التي ساندت – المسمين رؤساء غصباً وزوراً – في قمع شعوبهم...."، ويؤكد البيان الصادر عن المكتب إن هذا البيان "لا يمثل سوى أفكار ومواقف من كتبوه، ولا يعبر عن الجماعة ونهجها، وأفكارها؛ فالقتلة سيظلون قتلة بلا فخامة، والكيان الصهيوني لن نسميه إسرائيل"!

وقد رد "البيان" العاصف على "الرسالة"، الاعتبار إلى الجماعة، وإن تسبب في إحداث بلبلة، فهناك من اعتبروا أن البيان يعبر عن الإخوان، لأنهم ليسوا متابعين لتفاصيل الانشقاق داخلها، وأصحاب "البيان" هم من شكلوا "المكتب العام"، الذي لم تعترف به القيادة التاريخية للجماعة، ومجموعة المكتب العام هى التي قدمت "المراجعات" الأخيرة، ونسفته القيادة من أول يوم بالإعلان أنها لم تصدر بيانات أو مراجعات، فكانت "الرسالة" الموجهة لمؤتمر القمة، رمية بغير رام، لتضبط "مجموعة المكتب العام"، القيادة التاريخية متلبسة بهذه الجريمة النكراء!

ولأن الأمر مثل فضيحة من العيار الثقيل، فإن القيادة التاريخية، أعلنت عدم علمها بالرسالة، أو مسؤوليتها عنها، "فربما كانت من التنظيم الدولي، لنكون أمام مناورة بائسة، فالمسؤول عن التنظيم الدولي هو "إبراهيم منير"، وهو بشحمه ولحمه من تقدمه الجماعة على أنه "نائب المرشد العام"، المفوض من قبل القائم بأعمال المرشد "محمود عزت"، والذي فوضه في إدارة الجماعة في فترة "غيبته"، وهو من أطلقنا عليه في مقال سابق "المرشد الغائب"، تذكيراً بالإمام الغائب عند الشيعة!

لم تتطرق مناقشة "الجزيرة مباشر" إلى من يمثل البيان، فالرسالة من الإخوان المسلمين، وهى عندما تعنون بهذا الشكل، فهى تعبر عن الجماعة الأم في مصر، وليس عن تنظيمات خارجية، بما في ذلك "التنظيم الدولي" للإخوان، الذي كانت تنكر الجماعة وجوده من قبل، وفي بداية التسعينات، عندما أجريت حواراً صحفياً مع نائب المرشد العام، والمرشد في وقت لاحق، الأستاذ "المأمون الهصيبي"، وسألته عما تنشره الصحف المصرية المعادية عن التنظيم الدولي؟.. أنكر تماماً أي وجود لهذا التنظيم، لكن مرحلة الثورة، كشفت كثيراً من الأوراق، فصار الاعتراف بوجود التنظيم الدولي أمراً طبيعياً، تماماً كما حدث على مستوى الأفراد، فالذين كانوا يعلنون قبل الثورة، أنهم ليسوا من الإخوان، ولكن يحبونهم في الله، جهروا بالانتماء للجماعة، على النحو الذي جعل ظهرها مكشوفاً، ومكن الأجهزة الأمنية من التعرف على كافة الأعضاء بعد الانقلاب العسكري!

التطرق للموضوع، ومناقشة ما ورد في البيان وبعضه خطير، مثل الاعتراف بـ "دولة إسرائيل" التي كانت مجرد"كياناً" في أدبيات الجماعة، يمثل عندي تهويناً من الجريمة التي وقعت، عندما تتحرك جماعة تعلن أنها جزء أصيل من الثورة المصرية إلى مخاطبة "الثورة المضادة"، التي يمثلها "السادة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية"، في الوقت الذي لا تعترف فيه بشرعية الانقلاب العسكري الذي وقع في مصر في (3يوليو 2011) وما أنتجه من آثار، أخصها إزاحة الرئيس المنتخب وتنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً!

وكل "السادة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية، متآمرون على ثورتنا المصرية، وعلى الربيع العربي، إذا استثنينا أمير دولة قطر، وإذا تغافلنا عن أن الرئيس اليمني لم يكن خياراً حراً للثورة اليمنية، لكنه قدرها، الذي فرض عليها من دوائر "الثورة المضادة" إقليمياً، قبله الثوار اليمنيون على قاعدة "نصف العمى ولا العمى كله"!

وعندما لا تذكّر "رسالة الجماعة" للقمة العربية، وفي حضور عبد الفتاح السيسي، بالرئيس المصري الشرعي، فنحن أمام اعتراف واضح بما جرى في مصر، وتصبح "الرسالة" هى محاولة للوصل، ومخاطبة للود، وسعياً لفتح صفحة جديدة، برسالة لا قيمة لها ولن تحدث أثرا في سياق المطالب التي احتوت عليها، فهل يعتقد "صاحب الرسالة"، أن "السادة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية" في أيديهم ما يقدمونه للقضية الفلسطينية، وكانوا بحاجة إلى "رسالة الإخوان" لينفروا ثقالاً وينفروا جميعاً لنصر القضية عندما ذكرهم بها القوم في رسالتهم سيئة السمعة؟!

ولماذا الآن، وبعد تغيب الثورة المصرية قسرا، ووقف الحراك بفعل فاعل؟، ولماذا لم تتم مخاطبة القمة العربية، منذ وقوع الانقلاب، وقد انعقدت أكثر من مرة، فضلاً عن أن القضية الفلسطينية ليست وليدة اللحظة التي اجتمع فيها "السادة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدولة العربية"، في البحر الميت، وقد أهين الربيع العربي على لسان أحدهم، قبل أن يذهب إلى "سابع نومة"؟!

لقد رفع "إبراهيم منير" الحرج عن فريقه في الجماعة، باعتباره نائب المرشد العام، عندما قبل مهمة "الاعتراف" بالرسالة، التي لم يستنكرها هذا الفريق، وإن لم يدّعوا وصلاً بها، ولم ينتقدوها علناً، فلم يصدر بيان عن المتحدث الرسمي للجماعة، كما حدث عندما صدرت "المراجعات"، ولم يكن صمت الجاهل، ولكنه صمت المتورط، وقد قيل أن الإثم هو ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس!

صحيح أن المتحدث الرسمي اعتذر عن "الرسالة" في اليوم التالي وبعد ثلاثة أيام من إرسالها، لكنه بدا أنه اعتذار المضطر، الذي صدر للاستهلاك المحلي، بعد الأثر السلبي لهذه "الرسالة".

لقد نُشرت "الرسالة" على موقع "إخوان أون لاين"، وهو الموقع الذي حررته القيادة التاريخية، من الفريق الذي ينازعها الشرعية، واعتبرت أن تحريره نصر من الله وفتح قريب، وكتب الأمين العام للجماعة مقالاً يزف فيه البشرى العطرة بمناسبة هذا الانتصار التاريخي، على جيش التتار، وفي مقال دار حول عبارة واحدة هى "الباسورد لا يزال في جيبي"، على وزن فيلم حسام الدين مصطفي الشهير: "الرصاصة لا تزال في جبيي".. تكبير!

والحال كذلك، فإن "الرسالة" المرسلة لـ "السادة أصحاب الفخامة والسمو ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية"، ليست تصرفاً فردياً من "منير"، ولكنه بهذا النشر، وبعدم الإدانة، إنما يعبر عن فريقه، "مجموعة مكتب الإرشاد"، حيث فوض "محمود عزت"، "إبراهيم منير" في إدارة الجماعة، حتى عودته الميمونة بإذن الله!

لقد قال صاحبنا "منير" إن جماعة الإخوان هى جماعة إصلاحية، تعمل على إصلاح الأنظمة من الداخل، وهذا هو "بيت القصيد"، إذ أن الاعتراف هو سيد الأدلة، وآفة ثورتنا أن اصطلاحيين تصدروا المشهد الثوري، وآن الأوان ليعرف كل أناس مشربهم، والنهج الإصلاحي ليس سيئاً كله، لكن السوء، هو في أن يتصدر الإصلاحي العمل الثوري، وفي نيته أن يقوم بالإصلاح، لأنه يعتبر في قرارة نفسه أن الإعلان عن منهجه الحقيقي يمكن أن يفض عنه الأتباع، ويجعل التيار الثوري في جماعته هو الأكثر حضوراً وجاذبية!

ومهما يكن، فعندما تعترف "رسالة " القوم بـ "دولة إسرائيل" فإنها رسالة للغرب، وهم لا يزاحمون السيسي على أرضه، لكنهم يسعون للرضا الغربي، وما ينتجه من في الحد الأدنى، وهو أن يعيش التنظيم الدولي في "ثبات ونبات"، عندما تصبح "شهادة حسن السير والسلوك" من أهل الحكم في بريطانيا، هى أهم من الثورة المصرية، ومن حكم مصر!

ويا عزيزي "إبراهيم منير": قل لفريقك: "أبو بالين كذاب".. استمر في طريق الإصلاح، فلا تخفي في نفسك ما الله مبديه.