أسفرت نتائج انتخابات إقليم
غزة في حركة "
حماس" عن فوز الأسير المحرر والقيادي العسكري البارز في الحركة يحيى
السنوار، برئاسة مكتب الإقليم، خلفا لإسماعيل هنية، الذي ترأس المكتب لدورتين متتاليتين، وهو الأمر الذي أثار التوقعات والتكهنات حول مسلك الحركة القادم، ومواقفها المستقبلية في ضوء قيادة وصفها البعض بأنها متشددة.
تهويل إسرائيلي متعمد
وقد تلقفت الصحافة الإسرائيلية الخبر لتزعم بأن الحركة ذاهبة إلى التطرف والتشدد، ولتحذر من عواقب المرحلة القادمة، في ظل قيادة عسكرية كان لها الدور الفعال في حرب العصف المأكول عام 2014.
ووصفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية ما جرى بأنه انتصار مدو للجناح العسكري لحركة حماس، مشيرة إلى أن السنوار الذي أطلق سراحه في صفقة الأسرى عام 2011 له مواقف متشددة، وأن العديد من قيادات حماس يخشون سطوته.
فيما أكدت صحيفة "يديعوت أحرنوت" أن السنوار سيفرض سيطرة كبيرة لصالح الجناح العسكري في قرارات المكتب السياسي، في الوقت الذي اعتبر فيه موقع "والا" العبري ما جرى بأنه انتصار لما أسمته "جناح الصقور" في حماس.
وفي السياق ذاته، قال عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس"، إن ما جرى أظهر أن الذراع العسكرية لحماس تسجل إنجازات في الانتخابات الداخلية على حساب الذراع السياسية، مشيرا إلى تشدد الرجل الذي أسس الجناح الأمني لحماس عام 1988، وسجن على أساسه عام 1989 في موضوع مفاوضات تبادل الأسرى مع إسرائيل.
ويتوقع في ظل هذا التغيير، أن تنشغل الصحافة الإسرائيلية أكثر فأكثر بهذا الموضوع، في مسعى واضح لمحاولة تصنيف حركة حماس حركة متشددة، ولتبرير أي عدوان قادم محتمل عليها، متجاهلة أن قيادة الجناح العسكري التزمت مع بقية الفصائل الفلسطينية تماما منذ 2014 بالتهدئة مع إسرائيل، وعملت على معاقبة كل من يحاول خرق هذا الالتزام غير المعلن، من الجماعات المتشددة.
ويشكل هذا الالتزام فهما ووعيا سياسيا لطبيعة المرحلة، والتزاما بقرار القيادة السياسية بعدم التصعيد مع إسرائيل، وامتصاص الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد قطاع غزة.
شورية التشكيل والقرار
ويهمنا هنا، وبصرف النظر عن انجرار بعض المعلقين والكتاب وراء التحليلات الإسرائيلية غير البريئة، أن نشير إلى نقاط عدة، استنادا إلى اطلاعنا في هذا الأمر، وهي:
1- يتوزع انتشار الحركة إلى ثلاثة أقاليم، هي غزة والضفة والشتات، مع تمثيل آخر للسجون ضمن حصة الداخل.
ويشكل كل إقليم من هذه الثلاثة مجلس شورى منتخب وقيادة محلية منتخبة، تصعد ممثلين لها وفق نظام تمثيل متساو في المؤسسات القيادية، بما فيها مجلس الشورى العام والمكتب السياسي، الذي يوزع فيما بينه اختصاصات مختلفة، تشمل السياسي والعسكري والأمني، والاختصاصات الداخلية، فضلا عن اختصاصات تهتم بالقدس واللاجئين والعالم الإسلامي.
2- تعتمد حركة حماس الانتخابات في التصعيد القيادي في كل إقليم والحركة بشكل عام، وتلتزم بنظام الشورى الملزمة (الديمقراطية) في قراراتها، رغم تنوع وتعدد أماكن تواجدها. وهذا الأمر يصعب ويعقد من هذه العملية بطبيعة الحال.
3- للحركة نظام انتخابي متكامل، يشمل الأفراد الذين يحق لهم الانتخاب في أماكن تواجدها كافة، التي تسمح بهذه العملية، وهناك إشراف فني على الانتخابات ومؤسسات قضائية تبت في الطعون، وتفصل بها.
4- كما في كل الحركات والأحزاب السياسية تحصل تباينات وخلافات في الآراء والمواقف يتم حسمها من خلال الشورى. وقد عرفت الحركة انشقاقات محدودة جدا عند بعض الأفراد غير أنه لم يحدث حتى الآن أي انشقاق رئيس، ولم يتمكن أي من المنشقين من تشكيل كيان خاص بهم، دلالة على تماسك ومتانة هذه الحركة، مقارنة ببقية التنظيمات الفلسطينية، بما فيها حركة الجهاد الإسلامي التي شهدت مثل هذه الانشقاقات.
لا هيمنة للعسكر
ولا يمنع ما سبق استمرار الخلافات داخل الحركة، غير أن الحديث عن أن الطبيعة الكاريزمية للسنوار التي ستغير في مسار الحركة وتشده نحو التشدد والتطرف ينقصه الصواب والدقة، ويقلل من أهمية أعضاء القيادة في غزة، البالغ عددهم 15، ويتجاهل تشكيل الحركة القيادي الذي لا يعتمد على شخص محدد.
فالجهاز العسكري يأتمر في النهاية ضمن القيادة السياسية، وإن كانت وقعت بعض الاجتهادات في مسيرته، فإنها لم تحرف مسار الحركة أو تغيره.
فعلى سبيل المثال، فإن موقف "حماس" من إيران لم يتغير ضمن منظومة العلاقات والاتصالات، وذلك على الرغم من الدفع المتكرر للقيادة العسكرية لتصعيد العلاقة مع إيران، أملا في الحصول على المزيد من التجهيزات العسكرية والدعم المالي، في مواجهة مخططات الاحتلال العدوانية.
ولا بد من الإشارة إلى أن إسماعيل هنية لم يكن بمقدوره أن يقود قطاع غزة لأكثر من دورتين متتاليتين، لأن هذا مخالف للوائح الانتخابية، تماما كما هو الأمر بالنسبة للسيد خالد مشعل، ولذلك كان لا بد من التغيير الذي أتى بالسنوار رئيسا، لأنه كما يبدو الأكثر كاريزمية من بقية أقرانه، حيث سيضطر لترك قيادة الجهاز العسكري، وفقا للوائح التي لا تسمح له أن يمارس مهمة تنفيذية أخرى غير مهمة قيادة حماس في قطاع غزة.
ولا يتوقع أن يتم تصعيد السنوار لقيادة الحركة بحكم تشكيل شخصيته، فقد يتم تصعيد زعيم سياسي للقيادة، وهنا ينحصر الخيار حاليا بين هنية و موسى أبو مرزوق.
وفي ضوء ما سبق، فإنه ليس هناك ما يدعو للاعتقاد بإمكانية سيطرة العسكر على حماس، وهي تظل مجرد تهويل إسرائيلي له أسبابه التي ذكرناها.
لا بد هنا من الإشارة إلى أن القيادة الجديدة لحماس ستواجه تحديات كبيرة، منها التغيرات الإقليمية التي ضيقت من فسحة المجال الإقليمي للحركة، وموضوع الموقف من المصالحة التي وصلت إلى طريق مسدود، وما يستتبعه ذلك من تحدي العمل في أوساط الشعب الفلسطيني في الخارج، والعمل على فك الحصار عن غزة، وتعزيز المقاومة في الضفة ومواجهة مخططات التهويد والاستيطان والتعامل مع مشروع التسوية السياسية الذي يشهد تعثرا وجمودا.