يعرف الشخص المحتجز على أنه "أي شخص محروم من الحرية الشخصية ما لم يكن ذلك لإدانته في جريمة". والأصل أن يكون الإنسان حرا بشكل كامل. وعلى ذلك أي انتقاص من الحرية الشخصية لابد أن يكون له سند قانوني، ويفترض ذلك بداهة وجود قانون يلتزم به المجتمع ومؤسساته يحدد ما هي المواقف والأسباب التي تدعو إلى الاحتجاز وبالتالي حرمان الشخص من حريته.
والقانون لا يحدد فقط أسباب ودوافع الاحتجاز ولكنه يحدد ويوصف أماكن الاحتجاز حتى لا يستخدم النص القانوني الإجرائي في وقوع الظلم على أفراد أو تسهيل عمليات الاختطاف بحجة الاحتجاز القانوني. كما ينبغي أن يكون القانون حاسما للغاية في أي استخدام سيء لمثل هذه النصوص التي تحد من حرية أي إنسان، فلا يمكن التساهل أبدا في احتجاز إنسان في أي مكان ولأي سبب دون سند قانوني.
هذا ما يفترض أن يكون في أي منظومة تحترم الحد الأدنى من آدمية من ينتمي إليها، والحقيقة أنه في مصر منذ زمن طويل أكبر حتى من الحكم العسكري يعاني المصريون من حالة أشبه بالاحتجاز الدائم وما أراده فوكو في كتابة المراقبة والمعاقبة عندما قال "العالم في وضع يتحول فيه إلى نوع من السجن"، ربما نجد له تفسيرا عمليا لما يحدث في مصر التي تخضع لمراقبة دائمة وعقاب شامل للجميع، ولعل المتابعة الدقيقة لما يحدث في مصر منذ أمد بعيد تطلعنا علي مدى ما يعاني به الإنسان المصري من عقاب دائم أقل ما فيه هو إحساسه المستدام بعدم الأمان وترقبه في كل لحظه لاختطافه من مؤسسة ما تنتمي لأصحاب سلطة العقاب أو حتى من يدور في فلكهم.
و لا ينجو من هذا المصير في مصر سوى قلة ممن ينتمون إلي المؤسسات المنتمية لمنظومة العقاب كالقضاء والشرطة – هذا إن كان مصطلح منظومة يصلح لوصفهم – أو من هم يديرونهم كالموجودين بما تسمى القوات المسلحة وما تسمى الأجهزة السيادية، ويشترط أن تحافظ على مستوى حمايتك أن تستسلم تماما لمنظومة الفساد ولو كنت بداخلها، وليس ذلك فقط بل تستسلم للتضحية بك عند حدوث أي خطأ في المسارات الفاسدة.
إن مستوى انتهاك الحد الأدنى للحق في الحياة بشكل حتى شبه آمن قد انتهت في مصر منذ أمد بعيد وتعتبر الطبقة الحاكمة ما حدث منذ 2011 إلي 2013 هي مرحلة فشل يجب تجاوزها وعلى كل من يعيش في أرض مصر العودة إلى سجن مصر الكبير.
والحقيقة أن من يحكم مصر لا يري في القانون ولا إجراءاته إلا وسيلة لتحقيق الهدف الأكبر وهو الحفاظ علي الدولة كما يرونها متمثلة فيهم وفي إرادتهم المطلقة، فعندما خطفت عصابة القوات المسلحة وتابعيهم الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية لم تهتم أصلا بفكرة مكان الاحتجاز حيث أن مجال الاحتجاز الموجود في ذهنهم هو أي بقعة في مصر طبقا للتاريخ والعادة؛ ولم يجدوا أزمة في كتابة يافطة بأن المكان الموجود فيه الرئيس هو مكان احتجاز واعتبروا بعد ذلك أن كل شيء أصبح قانونيا.
كذلك حالات الاختفاء القصري المستمر منذ انقلاب يوليو وأخيرا ما يحدث هذه الأيام في الصراع غير المفهوم بين مجلس الدولة وبين ما تسمي الرئاسة، كل هذه المؤشرات تشير حصرا إلي أن مصر واحدة من أكبر السجون والحقيقة التي يقرها الكثير أن أغلب السجانين يعيشون أيضا داخل السجن ويتطبعون بطباعه ويعانون من أزماته.
إن فكرة السجن بحد ذاتها تحمل الكثير من المشاكل الأخلاقية وربما للفكر الإسلامي نظرة مختلفة للعقاب بعيدا عن مفهوم السجن، وتصل المعارضة للسجون من البعض إلي الرغبة في إنهاء فكرة السجون كوسيلة للعقاب.
أما مصر السجن الكبير تحت سلاح الخونة فهي حالة أكثر سوءا، فمن يرفض فكرة السجن يفعل ذلك في دول تبدو أنها تحترم القانون والإجراءات؛ فما بالنا بأنظمة تضع شعبا بأكمله تحت الاحتجاز.
إن ما يمكن وصف المصريين به الآن هو أكثر قسوة من الاحتجاز، أنهم رهائن لدي العصابة الحاكمة، جزء من الشعب يمثل خطورة شديدة علي فسادهم ويضعونهم في معسكرات لاحتجاز الرهائن تحت الحراسة الشديدة وجزء أقل خطورة في معسكر الرهائن الكبير داخل حدود مصر وجزاء آخر يعمل كسجانين.
ما ينبغي فعله أمام تلك العصابة هو ضرورة الوصول لحالة من العصيان القانوني إن صح التعبير والعصيان القانوني هو أولا اعتبار جميع من ينتمي "للدولة" من مؤسسات تستطيع فرض العقاب أو تطبيقه هي مؤسسات غير شرعية ليس لها أية صفة وبالتالي كل ما يصدر عنها من قرارات هي والعدم سواء، وعلي ذلك كل من هو موجود في مؤسسات العقاب أو الاحتجاز يعتبر احتجازه غير ذي معني وهم رهائن لدي عصابة، ومن أهم الإجراءات للعصيان القانوني هو صناعة مؤسسات قضاء بديلة شعبية وعرفية يستطيع بها المجتمع حماية نفسه من عصابة الحكم.
إن ما يقال عن ضرورة احترام القانون صحيح ولكن ينبغي أولا وجود قانون يعبر عن مفهوم صحيح للعدالة، وليس إرادات لمجموعات تعادي الشعب وتضعه في سجن كبير، أما ما يوجد في مصر حاليا لا يزيد عن قرارات وفرمانات من مجموعة من قطاع الطرق يتحكم فيها بالجميع بقوة السلاح.
القانون هو وسيلة لتحقيق العدالة، أما إذا أصبح وسيلة للحصول علي حق الليلة الأولي بكل أشكالها من شعب بأكمله، إلا من فسد فينبغي علي الجميع حتي السجانين تجاوزه قطعا لمحاولة الوصول إلى طريق العدالة أو على الأقل تحطيم أسوار أكبر سجون العالم ...مصر.