سياسة عربية

ما هي حدود تهديد انتخاب ترامب للاتفاق النووي مع إيران؟

الاتفاق النووي - ا ف ب
الاتفاق النووي - ا ف ب
يثير انتخاب دونالد ترامب رئيسا احتمال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الذي وقعته العام الماضي مع إيران، الأمر الذي يبعد واشنطن عن حلفائها، وقد يطلق العنان لإيران لتنفيذ طموحاتها النووية.

وروجت إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما للاتفاق -الذي يعد إنجازا لها في مجال السياسة الخارجية- على أنه سبيل لإيقاف ما يشتبه بأنه مسعى لطهران لتطوير أسلحة نووية. وفي المقابل وافق -وهو ديمقراطي- على رفع معظم العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية.

وجرى التوصل إلى الاتفاق الذي عارضه بشدة الجمهوريون في الكونجرس كالتزام سياسي وليس اتفاقية أقرها أعضاء الكونجرس، ما يجعله تحت رحمة رئيس أمريكي جديد مثل ترامب قد يختلف مع شروطه.

وترشح الجمهوري ترامب للبيت الأبيض معارضا للاتفاق، لكن تصريحاته المتضاربة جعلت من غير الواضح كيف سيكون تصرفه حيال الاتفاق إذا أصبح رئيسا. وفاز ترامب الثلاثاء، متغلبا على هيلاري كلينتون، وسيخلف أوباما في 20 كانون الثاني/ يناير. 

ووصف ترامب -وهو رجل أعمال تحول إلى سياسي ولم يتقلد مطلقا أي منصب عام- الاتفاق النووي بأنه "كارثة" و"أسوأ اتفاق جرى التفاوض بشأنه على الإطلاق" خلال حملته، وقال إنه قد يقود إلى "محرقة نووية".

وفي خطاب ألقاه في آذار/ مارس أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك)، وهي جماعة ضغط موالية لإسرائيل، أعلن ترامب أن "أولويته الأولى" ستكون "تفكيك الاتفاق الكارثي مع إيران".

وقال إنه كان سيتفاوض على اتفاق أفضل يشمل قيودا أطول، لكن من المفارقة إلى حد ما انتقاده بقاء العقوبات الأمريكية، التي تمنع الشركات الأمريكية من التعامل مع إيران.

وعلى النقيض من ذلك، أقر بأنه سيكون من الصعب تدمير اتفاق منصوص عليه في قرار للأمم المتحدة. وقال في آب/ أغسطس 2015 إنه لن "يلغي" الاتفاق النووي، لكنه "سيراقب ذلك الاتفاق مراقبة شديدة لا تتيح لهم فرصة (إنتاج أسلحة نووية)".

وتنفي إيران أن تكون فكرت على الإطلاق في تطوير أسلحة ذرية. لكن خبراء قالوا إن أي خرق أمريكي للاتفاق سيسمح لإيران أيضا بالتنصل من تعهداتها للحد من نشاطها النووي.

وتشمل هذه التعهدات خفض عدد أجهزة الطرد المركزي بواقع الثلثين، ووضع حد لمستوى لتخصيب اليورانيوم، ليكون أقل بكثير من المستوى اللازم لصنع قنابل، وتقليص مخزونها من اليورانيوم المخصب من نحو عشرة آلاف كيلوجرام إلى 300 كيلوجرام لمدة 15 عاما، وقبول عمليات التفتيش الدولي؛ للتحقق من انصياعها لشروط الاتفاق.

اتفاق مثير للانقسام

قال ريتشارد نيفيو، وهو مفاوض أمريكي سابق مع إيران، ويعمل الآن بجامعة كولومبيا: "قولوا وداعا لاتفاق إيران.

وأوضح قائلا: "ثمة احتمال ضعيف للغاية لبقائه، إما بسبب قرار متعمد من ترامب بتمزيقه، أو بخطوات تتخذها الولايات المتحدة تدفع إيران للانسحاب (من الاتفاق)".

ونقلت وكالة تسنيم للأنباء عن بهروز كمالوندي، المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، قوله: "إيران مستعدة لأي تغيير"، مضيفا أن بلاده ستحاول تجهيز بديل للاتفاق.

وأثار الاتفاق النووي حالة من الانقسام في إيران؛ إذ يقول المحافظون المعارضون لتحسين العلاقات مع الغرب إن الرئيس حسن روحاني يتخلى عن كثير من البنية الأساسية النووية لبلاده، مقابل إعفاء محدود للغاية من العقوبات.

ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء عن روحاني قوله، الأربعاء، إن نتائج الانتخابات الأمريكية لن يكون لها تأثير على سياسات طهران.

وينظر بعض أقرب حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط بعين الشك للاتفاق النووي. وأظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عداءه الصريح للاتفاق. ويقول زعماء خليجيون إن الاتفاق شجع إيران على السعي لفرض هيمنتها على المنطقة عن طريق أمور، منها دعم جماعات تعمل بالوكالة عنها؛ لإذكاء صراعات إقليمية.

واعتاد الزعيم الإيراني الأعلى، آية الله علي خامنئي، الذي تتجاوز سلطاته سلطات روحاني، انتقاد الولايات المتحدة، ويقول إنه يجب عدم الوثوق فيها، لكنه صدق في نهاية المطاف على شروط الاتفاق.

خامنئي الفائز الأكبر


قالت سوزان مالوني، خبيرة السياسة الخارجية بمعهد بروكينجز: "الفائز الأكبر بعد فوز ترامب هو الزعيم الأعلى الإيراني.

وتابعت: "سيكون لديه أكثر عدو أمريكي مثير للسخرية.. سيبتهج بانهيار الاقتصاد الأمريكي (الذي آمل أن يكون لفترة وجيزة)، وسيتمكن من الانسحاب من خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتفاق النووي)، في حين سينحي باللائمة على واشنطن".

وما يزيد من تعقيد جهود ترامب لإعادة التفاوض على الاتفاق أنه اتفاق متعدد الأطراف يشمل حلفاء للولايات المتحدة في أوروبا، وكذلك قوى عالمية أخرى مثل روسيا والصين. وتعود الشركات الأوروبية والأسيوية لإيران حاليا، وتضخ استثمارات ضخمة هناك، ما يعني أن الولايات المتحدة ستكون بمفردها على الأرجح في الانسحاب من الاتفاق، الأمر الذي قد يعزلها عن شركائها.

وقال رئيس إدارة الغاز والطاقة المتجددة والكهرباء بشركة توتال الفرنسية للنفط والغاز في إيران، إن انتخاب ترامب لن يكون له أثر على الاستثمارات.

وكان خامنئي تعهد بالفعل "بإشعال النار" في الاتفاق النووي إذا انتهك الغرب شروطه. وشكت إيران مرارا من عدم حصولها على المزايا التي وُعدت بها، بيد أن الشركات الأوروبية كانت حريصة على استكشاف فرص الأعمال في إيران، وجرى التوصل إلى عدد قليل من الاتفاقات لأسباب، من بينها إحجام البنوك الأوروبية عن تمويل اتفاقات تشمل إيران.

وقال زاكاري جولدمان، المدير التنفيذي لمركز القانون والأمن بجامعة نيويورك، المسؤول السابق بوزارة الخزانة الأمريكية: "فيما يتعلق بما إذا كان بمقدوره التفاوض على اتفاق أفضل، فإن ذلك يتطلب موافقة الطرفين (أو السبعة) على البدء في هذه العملية، وهو شيء أرى أنه غير محتمل للغاية.

وتابع: "وإذا انسحبنا من الاتفاق، فإنني أعتقد أننا سنكون في الوضع الأسوأ على الإطلاق، ستشعر إيران أنها في حل من التزاماتها، وربما يُنحى علينا باللائمة في انهيار الاتفاق". 
التعليقات (0)