أثار قرار رئيس الحكومة
التونسي، يوسف الشاهد، القاضي بإقالة وزير
الشؤون الدينية، عبد الجليل بن سالم، الجمعة، جدلا واسعا في الأوساط التونسية.
وجاء قرار الإقالة على خلفية ما أدلى به بن سالم، خلال جلسة استماع في مجلس النواب، الخميس، حيث قال: "إن المدرسة
الوهابية هي سبب الصراع وما يشهده العالم الإسلامي من تشدد وإرهاب"، وقال أيضا إنه سبق أن طالب السفير السعودي بالإصلاح في هذا الشأن.
وكشف بيان صادر عن مصالح الإعلام والاتّصال؛ أن إقالة الوزير كان سببها "عدم احترامه لضوابط العمل الحكومي وتصريحاته التي مست بمبادئ وثوابت الدبلوماسية التونسية".
مسّ بالأعراف الدّبلوماسية
وعلّق الباحث في العلاقات الدّولية، البشير الجويني، بأن رجل الدّولة يجب أن لا تكون تصريحاته محكومة بخلفيته الأكاديمية، باعتبار أن للعمل السياسي عموما، وللمسؤولية الرّسمية في الدّولة، خصوصا جملة من الضوابط والأعراف التي لا يجب تجاوزها.
ورأى الجويني، في حديث لـ"
عربي21"، أن وزير الشؤون الدينية المُقال "خرق الأعراف الدّبلوماسية"، باعتبار أن العلاقات الدّولية يجب أن يخوض فيها المُخوّل لهذا الأمر، وأنّه في ظروف خاصّة يُمكن أن يُلامس دوائر العلاقات الدّولية بعد استشارة السلطة المُختصّة، وفق قوله.
وتابع: "الكلام الذي قاله حول المذاهب، وحديثه المُباشر المُوجّه لدولة تربطها بتونس علاقات تاريخية، قد يستقيم لدى رجل علم أو مدرج، لكنّه لا يليق برجل دولة".
وفي إجابة عن سؤال "
عربي21"، حول ما إذا كان قرار الشاهد "السريع|، كما وصفه بعض المُحلّلين، نابع من حسابات مُؤتمر الاستثمار الذي ستحتضنه تونس نهاي الشّهر الحالي، قال الجويني إن العلاقات التونسية
السعودية فيها جانب كبير من المصلحة، ولا تقتصر فقط على "محطّة المؤتمر الظّرفية، بل إنه تتخطّى ذلك، خاصّة مع وجود عدد هام من المؤسسات المالية والمنشآت السياحية التابعة لرجال أعمال سعوديين على التراب التونسي".
إقالة منطقية
من جهته، قال عيسى الحجلاوي، الإمام والخطيب والنّقابي في نقابة الأئمّة التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل، إن الوزير أخطأ في تصريحه خطأ جسيما؛ لأنّه لم يُراع صفته الجديدة كوزير.
وأضاف الحجلاوي، في تصريح لـ"
عربي21": |قد يوجد ما يبرر موقفه من خلال الكثير من آراء العلماء، لكن تصريحه كوزير خطأ فادح.. إقالته منطقية".
في السياق ذاته، قال الباحث سامي براهم، في تدوينة على صفحته في "فيسبوك"، إن تصريح وزير الشّؤون الدينيّة "لا يصحّ سياسةً ولا معرفةً".
وتابع: "أمّا سياسةً فليس كلّ ما يصحّ معرفةً يُقَال سياسةً أو تبنى عليه السياسات والمواقف والتحالفات، السياسة تقودها النجاعة والمنفعة والمصالح العامّة المشروعة لا الحقائق المعرفيّة المقصودة لذاتها وإن صدقت وصحّت وثبتت، والمواقف في السياسة تُقَدّر بمآلاتها من حيث النّفع والضّرر لا بما تعبّر عنه من حقائق لها قيمة ومصداقيّة في ذاتها خارج سياق الفعل السياسي".
واعتبر براهم أن تخصيص مذهب أو مدرسة بصفة التكفير أو "العنف" خاطئ توثيقا ودقّة في نقل الحقائق التاريخيّة، والحكم على هذه المذاهب بمقتضى ثقافة العصر "المواطنة وحقوق الإنسان" هو ضرب من الإسقاط التّاريخي، وفق تعبيره.
مُبالغة في ردّ الفعل
من جهة أخرى، اعتبر الصّحفي حسام الحجلاوي؛ أن ردّة فعل رئاسة الحكومة كان مُبالغ فيها، وأن اعتذارا على أقصى حد كان كفيلا بتطويق الأزمة إن صح الحديث عن أزمة.
وأضاف حسام الحجلاوي لـ"
عربي21": "أنا من ناحية المبدأ لا أرى موجبا أصلا لوزارة الشؤون الدينية في تونس، إلا أن إقالة وزير من أجل تصريح ضد الوهابية هو أمر لا يقبله العقل".
ورأى أن "التيار الوهابي كان على مر التاريخ في في صراع مع التوجه الديني التونسي، والأهم من ذلك أن ما صرّح به الوزير من ارتباط تفريخ
الإرهاب بالوهابية؛ أصبح تقريبا حقيقة ثابتة علميا، ولا أرى فيه تعدّيا على أي دولة"، على حد وصفه.
وتابع: "وأهم الأهم؛ أنه إذا ما اعتبرنا جدلا أن الوزير قام بخطأ دبلوماسي، فالأمر لا يستوجب إقالة.. بل اعتذارا على أقصى تقدير".
واعتبر الصحفي الحجلاوي أن الحكومة أرسلت رسالة سلبية بإقالة وزيرها، باعتبار أنها قالت ضمنيا بأنها مُستعدّة للتّضحية بوزير من أجل كسب رضاء المملكة، "وهو أمر مُبالغ فيه وهو انبطاح وليس دبلوماسية"، وفق تعبيره.