ضربات تطال العمق العميق للمملكة العربية السعودية وتستهدف أقدس المقدسات الإسلامية عبر محاولة تفجير المسجد النبوي بشكل يكشف أن ما يصطلح عليه بالإرهاب لا يعدو أن يكون تطورا نوعيا في الاستراتيجيات الدولية من أجل أجندات توسعية لا تقتصر على المملكة بقدر ما تتعداه إلى قلب البيت الخليجي باعتباره الحاضنة السنية للمكون العربي في منطقة المشرق.
التطورات النوعية للضربات الإرهابية تؤكد كذلك تقدم مشروع التمدد الإمبراطوري والاستعماري من خلال السعي إلى استنزاف السعودية عبر آليات ثلاث:
تتمثل الأولى في تفعيل حالة الفوضى عربيا وبشكل أساسي في المحيط الرخو للخليج العربي في اليمن وفي سوريا وفي العراق وفي مصر كذلك عبر بؤر النزاع والصراعات التي لا تنتهي. أما الثانية فتتجلى في استثمار الركود الاقتصادي العالمي وتراجع أسعار المحروقات على الصعيد الدولي من أجل مزيد خنق خطوط الإمداد الحقيقية لدول الخليج بشكل عام وللمملكة السعودية بشكل خاص. ثالث الآليات تترجمها مجموع العمليات الإرهابية الدامية التي تنفذها "جماعات الموت" داخل المملكة وفي نطاقها المباشر عربيا وإسلاميا.
تكون المملكة بذلك واقعة داخل نطاق إقليمي ودولي يستهدفها اليوم بشكل علني سواء من قبل القوى الإقليمية التي تصارحها العداء مثل نظام الملالي في طهران وهو يخوض على حدود المملكة حروبا عسكرية أو بواسطة المخالب المندسة في المنطقة الخليجية أو العربية بشكل عام والعاملة بالوكالة لصالح أنظمة استعمارية دولية.
لا يشكل استنزاف المملكة إلا مرحلة متقدمة من المشروع الأكبر الذي يستهدف قلب المكوّن العربي مستفيدا من الأخطاء الكارثية التي ارتكبت خليجيا وعربيا منذ تسهيل غزو العراق أو المشاركة في تسريع الانقلاب على ثورات الربيع العربي وما طرحته من إمكانيات تغيير في الوجود الحضاري العام للأمة.
اليوم لا تستطيع أقوى الدول العربية ومهما بلغت قدراتها الذاتية على المناورة وعلى ردّ الفعل أن تواجه المشروع الكبير الذي يسعى علنا هذه المرة إلى تغيير حدود سايكس بيكو وتعميق آثارها وتجديد الفعل الاستعماري على الأرض العربية بما في ذلك السعودية. ذلك لأن المشروع الكبير الذي نجح في تدمير البوابات الكبيرة للمملكة ـ وللخليج العربي ـ بدأ بالعراق فاليمن فمصر آخذ في التسلل إلى داخل مجال الحركة والفعل في هذه المنطقة من المشرق العربي.
بناء عليه فإن كل محاولة لا تستحضر بدءا التفعيل الفوري والحقيقي لآليات العمل المشترك بين دول الخليج سيكون مآلها الفشل الذريع مثلما هو حال أغلب المبادرات العربية منذ عقود.
لا يخفى على أغلب المراقبين اليوم حجم الصراعات الداخلية التي يعيشها البيت الخليجي والعربي بشكل عام حتى تكاد تكون الخلافات وانعدام الرؤية المشتركة القاسم المميز للفعل العربي عامة والخليجي بشكل خاص.
فرغم ما مثلته "عاصفة الحزم" أو عملية "رعد الشمال" وقيام التحالف العربي والإسلامي من بوادر استفاقة من أجل إيقاف النزيف الخليجي ودفع التغلغل الفارسي في المنطقة فإن العمل المشترك لم يتحقق ولو بالحد الأدنى المطلوب.
اليوم لا يمثل مطلب التحرك الجماعي وتنسيق الجهود بشكل فعلي ـ خارج نطاق الواجهة الكاذبة والتحالف المزيف ـ إلا سبيل الخلاص الأخير من الأزمة الوجودية التي تعصف بكيانات الخليجية والمملكة السعودية بشكل خاص.
صحيح أن القيادة السياسية الجديدة قدمت منذ مدة مؤشرات مشجعة معلنة عن تحول نوعي في الخيارات الاستراتيجية للدولة داخليا وخارجيا لكن الغموض لا يزال يحيط بالخيارات الحاسمة داخل البيت الخليجي نفسه من أجل تحويله من هيكل إقليمي باهت الأداء والفعل إلى قوة إقليمية ودولية يحسب لها ألف حساب.
إن أوكد الدعوات اليوم هي تلك التي تملك من الجرأة والشجاعة ما يسمح لها بالنظر عن قرب في أسس التكتلات العربية التي عفا عليها الزمن وتحولت من أداة من أدوات الفعل والحركة إلى عائق ضخم أمام دفع أقل الأخطار شأنا وليس التمدد الإيراني والصلف الروسي والإرهاب الدولي الثابت والمتحرك إلا عناوين أساسية من عناوين فشل العمل المشترك في حده الأدنى.
من العناوين الكبيرة لهذا الفشل المرعب هو أن السعودية ورغم وقوعها المباشر في مرمى العمليات الإرهابية إلا أنها تسوّق في الإعلام الدولي وحتى المحلي على أنها دولة داعمة للإرهاب وللجماعات الإرهابية رغم كل الجهود التي تبذلها المملكة من أجل القضاء على هذه الظاهرة السرطانية التي أساءت لها كدولة إسلامية مركزية بالدرجة الأولى.
إن مجموع هذه المعطيات يستوجب اليوم التحرك السريع من أجل تحصين البيت الخليجي والعربي عبر تحقيق إصلاحات ضرورية وجادة على مستويات عديدة بدءا بالسياسي وصولا إلى الاجتماعي ومرورا بالاقتصادي والابتعاد قدر الإمكان عن المغامرات الفردية وعن الشعارات الزائفة والمشاريع الوهمية التي أوصلت المنطقة إلى حفير الهاوية حيث نقف اليوم.
3
شارك
التعليقات (3)
محمد
الجمعة، 08-07-201612:01 ص
يجب علي مراكز البحث والاستيراتجيه ان يستعينوا بهذا المقال ولا اروع
محمد
الخميس، 07-07-201611:58 م
تحية طيبة أخي محمد من مصر عيد مبارك سعيد. أعتقد وأتمنى أن لا أكون متفائلا فوق اللزوم هو أن المملكة اليوم تعي حجم المخاطر وتعي الدور الخطير لهذه الدولة الخليجية الراعية للانقلابات وما آل إليه الوضع في مصر. الأيام القادمة كفيلة بالاجابة عن تساؤلاتنا. لك في الختام أطيب التحية وأصدق الاحترام
محمد من مصر
الخميس، 07-07-201606:20 م
مع كامل احترامى لك استاذ هنيد
الا ان احد العوامل الثلاث التى تحدثت عن كونها تمثل حربا على السعودية وهو اضعاف المحيط الاقليمى ومصر خاصة كان السبب المباشر فيه هو ال سعود وسعيهم خلف بن زايد المجرم دون احترام لكونهم الاكبر والاولى بالقيادة نحو الطريق القويم ثم ان الانكى من ذلك انهم ورغم انكشاف المساوئ الواضح عن العميل المجرم فى مصر وارتمائه فى حضن الصهاينة والمجوس فانهم لم يتوقفوا عن دعمه
هل تظن بعد ذلك ان السعودية والخليج يمكن أن ينجو من تخطيط الصهاينة الامريكان واعوانهم المجوس ...ان لا اعتقد