"
فساد حسني مبارك كان للسمسرة، أما الفساد الآن فهو للسيطرة"، كان هذا هو رد الاستشاري
المصري الدكتور ممدوح حمزة حول ما أثارته شهادات لمصريين تحدثوا عن وجود عمليات فساد وسرقة ورشى واحتيال ودفع من تحت الطاولة في المشروعات القائمة عليها هيئات القوات المسلحة.
"
عربي21" حصلت على شهادة أحد رجال الأعمال الشباب عن واقعة فساد في مشروعات الإسكان التي تتولاها القوات المسلحة، كما حصلت على شهادة أحد المدرسين عن واقعة فساد في ترميم إحدى المدارس التي يتولاها
الجيش، ولكنهما رفضا ذكر اسميهما، كما رفضا تصوير ما لديهما من أوراق ومستندات؛ خوفا من "بطش السلطات"، حسب قولهما.
رشوة
قال رجل الأعمال الذي عاد من أوروبا لإنشاء شركة مقاولات بخبرة أجنبية عقب أحداث 30 يونيو، وسعى لدخول عالم الأعمال، إنه تلقى صدمة كبيرة جراء ما عاينه من فساد تقوم به هيئات القوات المسلحة، مبديا ندمه على العودة للعمل في مصر.
وأكد لـ"عربي21" أنه في عام 2014، بينما تقدم للعمل في تشطيب وحدات إسكان يقوم الجيش ببنائها -رفض ذكر اسم المكان- فوجئ بمن يطلب منه تقديم رشوة 100 ألف جنيه لقبوله كمقاول من الباطن لتشطيب بعض الوحدات، كما أكد أن المهندس المسؤول والمنتدب من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة طلب منه رشوة غير مباشرة -هدية قيمة-، كما تحدث معه عن شروط العمل، منها تسجيل كميات من الأسمنت بالمستخلصات أكبر بكثير من الذي يتم تسلمه في موقع العمل فعليا.
رجل الأعمال الذي رفض العرض، وابتعد عن هذا المجال، قال: "شعرت بعدها أنه لا أمل في أن تتغير بلادنا يوما ما طالما هناك حكم للعسكر".
فساد
مدرس في مدرسة حكومية بإحدى القرى -رفض ذكر اسم القرية أو اسم المدرسة أو المدينة التابعتين لهما- تحدث عن فساد وسرقة واحتيال ونصب -حسب قوله- في عملية ترميم ودهان واجهة وحوائط المدرسة وحماماتها صيف 2015، من قبل المقاول الموكل إليه العمل من قبل الهيئة الهندسية للقوات المسلحة.
وأكد لـ"
عربي21" أن المواد الخام التي صرفها الجيش للمقاول تقدر بثلث الكميات الموجودة على الورق، فيما طلب منه واثنين من زملائه باللجنة الفنية المنوطة بعملية الاستلام التوقيع على الأوراق وبها 3 أضعاف تلك التي تم استخدامها ومواد خام أكثر جودة من التي تم التنفيذ بها.
وقال: "سيارات الجيش نقلت 10 شكاير بلاستيك لدهان واجهة المدرسة، بينما وجدنا بالأوراق أنه تم استخدام 30 شكارة. فتحدثنا مع المقاول فقال: (أنا عبد مأمور، ولو جابوا شكارة واحدة هعمل بيها). فطلبنا الحديث مع الضابط المسؤول عن العمل بالمدارس. فأرسلوا شكارتين فقط، وقيل لنا: احمدوا ربنا على كدة وبلاش شوشرة".
وأضاف المدرس أن الخام الذي تم الدهان به كان موضوعا في شكاير بلاستيك والمكتوب في الأوراق علب بلاستيك درجة أولى ممتاز، وفارق السعر بينهما كبير، ناهيك عن الجودة.
وأكد المدرس أن آلاف المدارس يتم ترميمها "وأكيد بنفس الطريقة، السرقة عيني عينك، ولا تقدر تتكلم" حسب قوله.
فساد السيطرة
الاستشاري المصري الدكتور ممدوح حمزة أكد في تعليقه على الواقعتين أن "فساد حسني مبارك كان للسمسرة، أما الفساد الآن فهو للسيطرة على جميع قطاعات الدولة".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21"، أنه سمع مثل هذا الكلام وأخطر منه عبر مصادر موثوقة، مشيرا إلى أنه يعرف مقاولا يعمل مع إحدى هيئات الجيش كان يفرض عليه دفع مبلغ مالي قبل كل "مستخلص" حتى يتم صرف مستحقاته.
وقال: "الدفع من تحت الترابيزة في مشروعات الجيش، خاصة الإسكان يسير على قدم وساق، ولكن ليست هناك أي مستندات أو تسجيل أو تصوير لهذه العمليات، وأن من يتحدثون عن ذلك يهمسون فقط، ويخافون من تقديم أي دليل".
وتحدث المعماري المصري وأحد رموز ثورة يناير عما أسماه "عدم الشفافية" في التعامل مع الشعب من جانب الجيش، وإخفاء الأرقام الحقيقية لتكلفة المشروعات التي أدارتها وتديرها هيئاته.
وقال: "المقاولون الذين نفذوا مشروع حفر تفريعة قناة السويس الجديدة حصلوا على ستة جنيهات وربع للمتر المربع من الباطن، وهو مبلغ أقل بكثير من الذي تم رصده في ميزانية المشروع".
حمزة يتحدى مميش
وتحدى حمزة أن يعلن الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس عن السعر الحقيقي للمتر المربع الذي اتفق عليه مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، كما تحدى أن يعلن أحد المسؤولين عن المصاريف العمومية ومقابل الإشراف الذي يتم رصده في المشروعات القائمة عليها هيئات الجيش.
ودعا حمزة أي مواطن مصري تسلم شقة في مشروع الإسكان الاجتماعي الذي يتولاه الجيش أن يعلن عن نفسه، مشيرا لتسليم تلك الوحدات التي أعلن عنها لعدد قليل جدا غير المعلن عنه.
ويتمتع الجيش في مصر بامتيازات كبيرة في العطاءات والمناقصات، ولا تخضع إيراداته للضرائب مثل باقي الشركات"، كما أن "موارد المؤسسة العسكرية لا تمر عبر الخزينة العامة للدولة، وهي تخص الجيش وحده"، حسب اللواء عادل سليمان، الخبير العسكري ورئيس منتدى الحوار الاستراتيجي في تصريح سابق لـ"
عربي21".
هيمنة الجيش على الاقتصاد
وعزز الجيش المصري من هيمنته على
الاقتصاد المصري في أعقاب ثورة 25 يناير عام 2011، وفرض حماية شديدة على جميع المنشآت والمصانع والشركات التابعة له، فضلا عن خضوع أراضي الدولة غير الزراعية لسيطرته المباشرة.
وامتدت سيطرة الجيش إلى كل القطاعات الاقتصادية تقريبا، من المواد الغذائية، إلى الإلكترونيات الاستهلاكية، والعقارات، وأعمال البناء والنقل والخدمات.
فيما تمتلك القوات المسلحة أغلبية أو أقلية الأسهم في العديد من الشركات شبه الحكومية أو الخاصة الأخرى، خاصة في مجالات البنية التحتية والتعاقد من الباطن.
تقارير غربية
وكشف تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن الجيش المصري يسيطر على 60% من اقتصاد البلاد، و90% من أراضي مصر، وأن مشروع تطوير قناة السويس ربما كان وراء قيام العسكر بالإطاحة بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز 2013.
كما حذر تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني من مخاطر توسع "الإمبراطورية الاقتصادية العسكرية في مصر" على مدى جاهزية الجيش المصري لخوض الحروب؛ بسبب تفرغ قادته للهيمنة على كل فروع الاقتصاد والخدمات، وتحصيل المكاسب المالية لهم ولمحاسيبهم المقربين منهم.
تقرير «ميدل إيست آي» الذي نشر 26 آذار/ مارس 2016، أشار إلى "استحالة الحصول على أي أرقام دقيقة عن حجم هيمنة الجيش علي الاقتصاد؛ بسبب الغموض الذي يحيط بسياساته في هذا المجال".
وأشار إلى أن جذور الإمبراطورية التجارية للجيش المصري تعود إلى فترة الثمانينات، حينما أدى توقيع معاهدة السلام عام 1979 بين مصر و(إسرائيل) والأزمة المالية إلى تقليص ميزانية الدفاع.
1350 مشروعا
ومنذ آب/ أغسطس 2012، تم تكليف القوات المسلحة بإقامة 1350 مشروعا بمليارات الدولارات، بحسب رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة اللواء أركان حرب عماد الألفي، ونفذت الهيئة الهندسية 3 مشروعات كبرى، هي مشروع قناة السويس الجديدة، وتعمل بمشروع شبكة الطرق، واستزراع مليون فدان.
هذا إلى جانب العمل في الطرق والمواصلات والكباري، ووحدات الرعاية الصحية والمدارس بالمحافظات ومشروعات ثقافية وترفيهية وخدمات عامة و إمداد بالمياه، ومشروعات الإسكان وإنشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة، حسب صحيفة "اليوم السابع" المؤيدة للنظام.
هيئات وأجهزة مسؤولة عن مشاريع الجيش
ويدير الجيش المصري إمبراطوريته الاقتصادية عبر عدة هيئات ومؤسسات أبرزها:
- جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة التابع لوزارة الدفاع المسؤول عن قطاع كبير من أعمال الجيش، ويتبعه نحو 11 شركة ومصنعا، وتم إنشاؤه طبقا للقرار الجمهوري رقم 32 لسنة 1979 في عهد الرئيس أنور السادات.
- الهيئة القومية للإنتاج الحربي، وتملك أكثر من 15 مصنعا للصناعات الهندسية والمدنية والعسكرية.
- الهيئة العربية للتصنيع، وتدير 11 مصنعا وشركة تعمل في مجالات الصناعات العسكرية والمدنية.
- الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المتخصصة في مجالات الإنشاءات العسكرية.