أما وقد أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هجوم "الركبان" الانتحاري، ضد نقطة عسكرية حدودية أردنية، فنحن، إذن، أمام "نقطة تطوّر" في منسوب وحجم وكثافة الصراع مع التنظيم، إقليميا وداخليا.
قد ينظر البعض إلى الإعلان عن العملية بأنّه "تحصيل حاصل"؛ فالأردن أشار بإصبع الاتهام للتنظيم، والمؤشرات تدلّ عليه. وحتى الرواية المسرّبة من الإعلام الموالي للنظام السوري؛ بأنّ منفذ العملية فصيل صغير (سرايا المجاهدين) في حوران، كان الهدف منها "خلط الأوراق"، كما ذكرنا في مقال سابق.
بيان "وكالة أعماق" فيه "تأكيد المؤكّد"، صحيح. لكنّ تبنّي التنظيم للعملية رسميا، للمرة الأولى يعلن استهدافه الأردن، فذلك يعني أنّ هناك تداعيات وتبعات قادمة؛ إذ من الضروري الإشارة إلى أنّ "داعش" لم يتبنّ رسميا، ولم يرحّب (حتى الآن) بعملية البقعة وخلية إربد، بالرغم من أنّهما ترتبطان بمؤيدين له، فيما كانت الحالة الوحيدة التي أشار فيها إلى عملية سابقة في الأردن، تلك التي قام بها النقيب أنور السعد في قاعدة الموقّر، فذكرته لاحقا مجلة "دابق" بوصفه "ذئبا منفردا"، وهو الأمر الذي قد يحصل -لاحقا- في تبني اعتداء البقعة، لكن بعد انتهاء التحقيقات وإصدار الحكم؛ حتى لا يساهم بيان التنظيم في إدانة المشتبه به محمود المشارفة.
السؤال المهم، إذن: لماذا أعلن التنظيم مسؤوليته عن عملية الركبان؟ وهل لتوقيتها دلالة؟
من المعروف أنّ الأردن أعلن المشاركة في الحرب على الإرهاب، منذ عامين تقريبا. وبدأ الخط البياني للصدام يتصاعد. ثم جاءت الجريمة النكراء بحق الشهيد معاذ الكساسبة، لترفع من وتيرة المواجهة، حتى وقعت العمليات الأخيرة في الأردن، بما يشي أنّ المملكة أصبحت على "رادار" التنظيم، ولم تعد خارج قائمة أولوياته.
بالرغم من أنّ جزءا كبيرا من المعركة يتم خارج نطاق التغطية الإعلامية، إلاّ أنّ التنظيم زاد في الآونة الأخيرة من منسوب اتهامه للأردن بمحاربته والعمل ضده. وكان قد أصدر شريطا مصوّرا مؤخرا مع أحد الذين اعتبرهم "تائبين" يتحدث فيه عن تدرّبه مع الجيش الحر في الأردن، وعن أوامر أردنية وغربية لمن يتدربون باستهداف التنظيم حصريا.
ويتهم التنظيم الأردن، أيضا، بأنّه ساعد فصائل "الجبهة الجنوبية"-الجيش الحرّ وفصائل أخرى في مواجهة الكتائب التي أعلنت مبايعتها لداعش في درعا، مثل كتيبة المثنى بن الحارثة وشهداء اليرموك، وأنّ الأردن يدعم جهود المعارضة السورية الموجّهة ضد التنظيم، ومن ذلك تأسيس جيش سورية الجديد في المناطق الشرقية من سورية لمواجهة "داعش"، وهو الجيش الذي يمثل فصيل "الأصالة والمعاصرة" عموده الفقري، وهو فصيل سلفي قريب من الأوساط السلفية التقليدية العربية.
في المقابل، لا يخفي الأردن عداءه لتنظيم "داعش"، بوصفه الخطر الأكبر على الأمن الوطني الأردني. وعلى الأغلب، سيؤدي هجوم الركبان إلى مزيد من التدخل العسكري والأمني الأردني المساند للفصائل السورية المعارضة المعتدلة، وهو ما حصل بالفعل بعد الهجوم مباشرة.
لكن أهم الدروس المستفادة من الهجوم (وعلى النقيض من استنتاج المؤيدين للنظام السوري) هو أهمية تعزيز نظرية "الوسادات" والاعتماد عليها في بناء شبكة تحالفات تشكّل حاجز صدّ أولي ضد تمدد التنظيم على مقربة من الحدود الأردنية. وهي التجربة التي نجحت نسبيا بدرجة كبيرة في حوران ودرعا عبر العلاقة مع "الجبهة الجنوبية"، وبدأت خيوط جديدة من هذه الشبكات تتعاظم في المناطق الشرقية.
التطورات الأخيرة، بداية من إربد، وانتهاء بالركبان، تدفع بالمواجهة مع "داعش" إلى مرحلة متقدمة، تتطلب مراجعة جوانب الخلل والاختلال التي حدثت سابقا، والاستفادة منها، بالرغم من أنّ تطوّر "نظرية عمل" مثل هذه التنظيمات يمنع وجود ضمانات مطلقة، أيا كانت قدرات الدول العسكرية والأمنية.